ما العمل إذا لم ينزل المطر ؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ما العمل إذا لم ينزل المطر ؟

    ما العمل إذا لم ينزل المطر ؟


    ليس هناك أيُّ حلٍّ إلاَّ الانتظار في حيرة وقلق ، أو الاستغفار إلى الله والتَّضرُّع إليه بالدُّعاء أن يفتح أبوابَ السَّماء !

    نعم ، فبالرَّغم من وصول إنسان العصر الحديث إلى اختراق الغلاف الجوّي للأرض والخروج إلى الفضاء ، إلاَّ أنَّه لم يستطعْ ولن يستطيع أبدًا بأجهزته وعلُومه أن يُنزل قطرةَ ماء واحدة من السَّماء . هل تدري لماذا ؟

    لأنَّ الله تعالى هو وحدهُ المتصرّف في الرّياح وفي السُّحُب وفي كلّ شيء ، وهو وحدهُ الذي يُنزلُ المطرَ وقْتَ ما يشاء ، على مَنْ يشاء ، ويُرسلُ البَرَد والصَّواعق متَى يشاء ، فيُصِيبُ بهما مَنْ يشاء .

    والآيات التي ذكَرْناها في العنصر السَّابق أعلنَتْ بوُضوح أنَّ الله هو الذي يُرسلُ الرّياح ، وهو الذي يُزجي السَّحاب ، وهو الذي يُنزلُ الماء من السَّماء .

    ويقول تعالى في آيات أخرى : { هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ 12 وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي الله وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ 13 } (13- الرّعد 12-13) .

    لذلك ، عندما أصاب المسلمينَ جدبٌ في عهد النَّبيّ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم ، تَوجَّهُوا مباشرةً إلى الله بالدُّعاء ، ففتحَ لهم على الفور أبواب السَّماء !

    فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن أنَس بن مالك رضي الله عنه ، قال : أصابت النَّاسَ سنة (أي جَدْبٌ وقَحْط) على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم . فبينما رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يخطُبُ على المنْبَر يوم الجمعة ، قام أعرابي ، فقال : يا رسولَ الله ، هَلَكَ المالُ وجاعَ العِيَالُ ، فادْعُ اللهَ لَنَا أن يَسْقينَا .

    فرفعَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يَدَيْه ، وما في السَّماء قزعة (أي وما فيها سحابة واحدة) ، فثَار سحابٌ أمثَال الجِبَال ، ثمَّ لَمْ يَنْزِلْ عن منْبَره حتَّى رأيتُ المطَر يَتَحادر على لِحْيَته (ربَّما لأنَّ سقْفَ المسْجِد كان من سَعْفِ النَّخيل) .

    فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذلك ، وفي الغَد ، ومن بعد الغَد ، والذي يَلِيه ، إلى الجمعة الأخرى . فقام ذلك الأعرابي، أو رجلٌ غيره ، فقال : يا رسولَ الله ، تهدَّم البِنَاء ، وغرق المال ، فادْعُ اللهَ لَنَا .

    فرفَعَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يَدَيْه ، وقال : اللّهمَّ حَوَالَيْنا ولا عَلَيْنَا (أي فوق الأودية والجبال، لا فَوق البيوت .

    قال ابنُ حجر العسقلاني : وهذا تأدُّبٌ مع الله ، حيثُ لم يَدْعُ النَّبيُّ برَفْع المطَر كُلّيَّةً لاحْتِمَال الحاجة إلى استِمْراره ، فدَعَا بِرَفْع الضَّرر وإبقاء النَّفع) .

    قالَ أنَس : فَمَا جعَلَ يُشِيرُ بيَدِه إلى ناحِيَةٍ من السَّماء إلاَّ تَفَرَّجَتْ ، حتَّى صارت المدينةُ في مِثْل الجوبة (أي الحفْرَة المستديرة ، لأنَّ السُّحب أحاطت بها . وفي رواية أخرى في صحيح مسلم عن أنَس أيضًا : فكشطت المدينة ، أي انقشعت عنها السُّحُب ، فجعلَتْ تُمْطِرُ حَوْلَها ولا تُمطِرُ بالمدينة قَطْرة !) حتَّى سَالَ الوادي ، وادي قناة ، شهْرًا . فلَمْ يَجِئْ أحدٌ من ناحِيَةٍ إلاَّ حدَّثَ بالجود . (الجامع الصّحيح المختصر - الجزء 1 - ص 349 - رقم الحديث 986) .

    وروى الحاكم في مُستدركه عن عائشة رضي الله عنها ، قالتْ : شَكَا النَّاسُ إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قُحوطَ المطر ، فأمَر بِمنْبَر فوُضِع له في المصَلَّى ، ووعَدَ النَّاسَ يومًا يَخرجُون فيه .

    فخرج رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حينَ بَدَا حاجبُ الشَّمس ، فقعَدَ على المنْبَر ، فكبَّر وحَمد الله ، ثمَّ قال : إنَّكُم شكَوْتُم جدب دياركُم واستئخار المطر عن أوان زمانه ، وقد أمَرَكم اللهُ أن تَدْعُوه ووعَدَكم أن يَسْتجيب لكم .

    ثمَّ قال : الحمدُ للَّه ربّ العالَمين ، الرَّحمن الرَّحيم ، مَالِك يوم الدّين ، لا إله إلاَّ الله يفعلُ ما يُريد ، اللّهمَّ أنتَ الله لا إله إلاَّ أنت ، أنتَ الغنيُّ ونحنُ الفُقَراء ، أنزِلْ علينا الغيْثَ واجعَلْ ما أنزلتَ لنا قوَّة وبلاغًا إلى حين .

    ثمَّ رفع يَدَيْه ، فلم يزلْ في الرَّفع حتَّى بَدَا بياضُ إبِطَيْه ، ثمَّ حوَّلَ إلى النَّاس ظَهْره ، وقلَبَ ، أو حوَّلَ ، رداءَه وهو رافعٌ يديه ، ثمَّ أقْبَل على النَّاس ونزلَ فصلَّى ركْعَتَيْن .

    فأنشأ اللهُ سحابًا ، فرعدَتْ وبرقتْ ثمَّ أمطرَتْ بإذن الله !

    فلم يأتِ (أي رسولُ الله) مسجدَه حتَّى سالَت السّيُول ! فلمَّا رأى سُرعَتَهم إلى الكَنّ ، ضحك حتَّى بدتْ نَواجِذُه ، فقال : أشهدُ أنَّ الله على كلّ شيء قدير ، وأنّي عبدُ الله ورسُوله . (المستدرك على الصّحيحين - الجزء 1 - ص 476 - رقم الحديث 1225) .

    طبعًا ، هذه كانت مِنْ بين المعجزات التي أيَّدَ اللهُ بها نبيَّهُ محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم .

    أمَّا عامَّةُ المسلمين ، فإنَّهم عندما يُحبَسُ عنهم المطر يُسارعُون إلى الله يستغفرُونه من ذُنوبهم ، ويُصلُّون صلاة الاسْتِسْقَاء ركعتَيْن جماعة ، ويَدْعُون اللهَ أن يُغِيثَهم بالماء .

    يقول النَّبيُّ نوح عليه السَّلام مُخاطِبًا قومه : { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا 10 يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا 11 وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا 12 } (71- نوح 10-12) .

    فمِن بَرَكة الاستغفار أنَّه يَفْتح أبوابَ السَّماء . وتذكُر كُتُبُ التَّاريخ أنَّه مَا مِنْ مرَّةٍ استسقَى فيها المسلِمُون بتَضَرُّع وإخلاصٍ مِن بَعْد جَدبٍ أصابَهُم ، إلاَّ سقاهُم الله على الفَوْر . وما زال المسلمون إلى اليوم يَسْتسْقُون عند انقطاع السُّبُل ، فيُسْقَوْن بفَضْل الله .

    أمَّا الكُفَّار ، فإنَّهم لا يَملكُون إلاَّ أن يقِفُوا مكتُوفي الأيدي عند انحِبَاس المطر عنهم ، عاجزين عن فعل أيّ شيء !
يعمل...
X