الاعجاز العلمى الهندسى فى الاسلام ارجو التثبيت

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الاعجاز العلمى الهندسى فى الاسلام ارجو التثبيت

    بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ثم اما بعد:-

    اردت ان اوضح فى هذا الموضوع بعض صور الاعجاز العلمى الهندسى فى ديننا العظيم (الاسلام )


    فى البداية سنوضح الفرق بين ثلاث مصطلحات الا وهى :-

    (العلم - الاعجاز - الاعجاز العلمى )



    تعريف العلم :

    وصف الاعجاز هنا بانه علمي نسبة الى العلم.
    والعلم : هو ادراك الاشياء على حقائقها. او هو صفة ينكشف بها المطلوب انكشافا تاما.
    والمقصود بالعلم في هذا المقام : العلم التجريبي.
    وعليه فيعرف الاعجاز العلمي بما يلي :



    تعريف الاعجاز :

    الاعجاز مشتق من العجز. والعجز : الضعف او عدم القدرة.
    والاعجاز مصدر اعجز : وهو بمعنى الفوت والسبق.
    والمعجزة في اصطلاح العلماء : امر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، سالم من المعارضة.

    واعجاز القرءان : يقصد به : اعجاز القرءان للناس ان ياتوا بمثله. اي نسبة العجز الى الناس بسبب عدم قدرتهم على الاتيان بمثله.



    تعريف الاعجاز العلمي :

    هو اخبار القرءان الكريم او السنة النبوية بحقيقة اثبتها العلم التجريبي، وثبت عدم امكانية ادراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا مما يظهر صدق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فيما اخبر به عن ربه سبحانه.

    لكل رسول معجزة تناسب قومه ومدة رسالته : ولما كان الرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم يبعثون الى اقوامهم خاصة، ولازمنة محدودة فقد ايدهم الله ببينات حسية مثل : عصا موسى عليه السلام، واحياء الموتى باذن الله على يد عيسى عليه السلام، وتستمر هذه البينات الحسية محتفظة بقوة اقناعها في الزمن المحدد لرسالة كل رسول، فاذا حرف الناس دين الله بعث الله رسولا آخر بالدين الذي يرضاه، وبمعجزة جديدة، وبينة مشاهدة.

    ولما ختم الله النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم ضمن له حفظ دينه، وايده ببينة كبرى تبقى بين ايدي الناس الى قيام الساعة، قال تعالى : ﴿ قل اي شيء اكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم واوحي الى هذا القرءان لانذركم به ومن بلغ ﴾( الانعام 19 ) ومن ذلك المعجزة العلمية. قال تعالى : ﴿ لكن الله شهيد بما انزل اليك انزله بعلم ﴾( النساء 166 ) وقال تعالى :﴿ فان لم يستجيبوا لكم فاعلموا انما انزل بعلم الله﴾.( هود 14 ).
    وليس معنى مجرد كونه انزله انه معلوم له، فان جميع الاشياء معلومة له، وليس في ذلك ما يدل على انها حق، لكن المعنى : انزله فيه علمه، كما يقال : فلان يتكلم بعلم، فهو سبحانه انزله بعلم، كما قال :﴿ قل انزله الذي يعلم السر في السموات والارض﴾( الفرقان 6 ). والى هذا المعنى ذهب كثير من المفسرين.

    ومعجزة القرءان مستمرة الى يوم القيامة، وخرقه للعادة في اسلوبه، وفي بلاغته، واخباره بالمغيبات، فلا يمر عصر من الاعصار، الا ويظهر فيه شيء مما اخبر به انه سيكون؛ يدل على صحة دعواه ... فعم نفعه من حضر، ومن غاب، ومن وجد، ومن سيوجد.
    ﴿ان هو الا ذكر للعالمين ولتعلمن نباه حتى حين﴾

    وبينة القرءان العلمية يدركها العربي والاعجمي، وتبقى ظاهرة متجددة الى قيام الساعة.

    باذن الله عز وجل سوف ندرج فى هذا الموضوع العديد من صور الاعجاز العلمى الهندسى



    بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم اما بعد

    فى البداية نريد ان نتعرف على ماهية هذا العلم

    فكما هو معلوم أن الرياضيات هي أم العلوم الدنيوية كما تسمى، وتدخل في كل جوانب العلوم الطبيعية . أما في الهندسة فتعد الرياضيات هي روح العمل الهندسي التي بدونها لما كان هناك وجود الهندسة وتطبيقاتها، وأما الإحصاء فلا يكاد يخلو أي علم تطبيقي من مادة الإحصاء ومعادلاته وحساباته. وللقرآن الكريم إعجاز رياضي عظيم يكاد يخلب العقول ، وبرزت في هذا المجال كتب وبحوث عديدة في الإعجاز الرقمي تحوي تفاصيل رائعة بموضوع الأرقام والإحصاء وإعجاز الوزن الرقمي للكلمات وأعدادها وفيه أمور عديدة تبعث بالقاري على الاعتزاز بدينه والفخر بكتابه وسنة رسول الله محمد إبن عبد الله صلى الله عليه وسلم .







    موقف الإسلام من العلوم الرياضية

    لئن كان عصرنا الذي نعيش هو عصر الإحصاء والرياضيات إذ لا يكاد علم من العلوم يخلو من هذين العنصرين الأساسيين اللازمين لتطوره، وهما الفارق بين العلميين والعشوائيين ، فإن الإسلام العظيم قد سبق في هذا سبقا مميزا يكاد يكون السمة البارزة له عن بقية الأديان والقوانين الوضعية فلا عجب أن نرى أن القرآن العظيم يعطي الإحصاء والرياضيات أهمية بارزة ، فيقول الله تعالى : (وأحصى كلّ شيء عددا) ، وقال تعالى: (لقد أحصهم وعدّهم عددا)، وغيرها من الآيات المباركات . وقد بادر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الانتفاع بالإحصاء منذ عهد مبكر من إقامة دولته بالمدينة . فقد روى البخاري ومسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله فقال : (احصوا لي كم يلفظ بالإسلام) . وفي رواية للبخاري أنه قال: (اكتبوا لي من يلفظ بالإسلام من الناس) . قال حذيفة: فكتبنا له ألفا وخمسمائة رجل. وكان ذلك ليعرف الرسول صلى الله عليه وسلم القوة البشرية الضاربة التي يستطيع بها مواجهة الأعداء. والإحصاء الذي تم في وقت مبكر من حياة الدولة الإسلامية ، تم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهولة ويسر، يرينا إلى أي حد يرحب الإسلام باستخدام الوسائل العلمية الإحصائية والرياضية . وفي مقابل هذا نجد في العهد القديم إن أحد أنبياء بني إسرائيل أراد أن يعمل لهم إحصاء فنزلت عقوبة سماوية بهم ، كأنما (الإحصاء) يمثل تحديا للقدر والإرادة الإلهية، وهذا ما استنبط منه الفيلسوف المعاصر الشهير (برتراند رسل) أن التوراة والكتاب المقدس لا يتيحان مناخا مناسبا لإنشاء عقلية علمية .


    لقد طبق المسلمون في زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الإحصاء عن طريق تأسيس الدواوين حيث يتم فيها تدوين المعلومات عن الجند ودخول بيت المال وغيرها من البيانات اللازمة للتموين وتجهيز الجيوش . . . وهذه الطريقة لا تزال تستخدم في كثير من الأمور الإحصائية الحديثة وهي بداية الإحصاء . كذلك استخدم الخليفة أبو جعفر المنصور وسائل متطورة وعديدة لتسليح وتموين الجند إضافة إلى تبويب مدخولات بيت المال والمصروفات والأبواب الأخرى المتعلقة بإدارة الدولة . ولعل القاعدة القرآنية العظيمة في قوله تعالى : (وكذلك جعلنكم أمة وسطا) . وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (خير الأمور الوسط) . وكما بينا أن معاني الوسطية في اللغة الاعتدال والاتزان والتوازن والعدل ووسطية المكان ، ومن هنا يتبين لنا المفهوم الإحصائي الأساسي الذي أسّسه القرآن ألا وهو الوسط الحسابي والمعدل . . . أما الإحصاء التطبيقي فقد ساهم فيه المسلمون عن طريق التوفير للمنحنى المفترض عن البيانات المعلومة وهذا المفهوم العلمي الرياضي لا يزال الأساس في علم الإحصاء لإيجاد أفضل المعادلات لقياس واقعية تجربة أجريت من قبل الباحثين في حقول المعرفة المختلفة . وما طريقة عمر الخيام لحل المعادلات التكعيبية ذات المجهول الواحد عن طريق ما يسمى (بحساب الخطأين) عند المسلمين وما يسمى حديثا بطريقة (False Regula) في التحليلات العددية الحديثة إلا خير دليل إلى أن المسلمين اتبعوا خطوات هندسية حديثة ومتطورة وسبقوا زمنهم في هذا المجال (بالإمكان الرجوع إلى مجلة المجمع العلمي العراقي ، لسنة 1973، العدد 23) .


    تعد الحضارة الإسلامية من المرتكزات الأساسية وأحد الروافد الكبرى للحضارة البشرية لأصالتها وشموليتها وإنسانيتها بالإضافة إلى المنهج العلمي الذي كان الصفة المميزة لنتاجات علماء الأمة . لذلك فإن الأعمال العلمية الإسلامية اتصفت بالوضوح والدقة والجدية وبذلك يكون علماؤنا قد أضافوا إشعاعا جديدا لحضارة أمتهم الذي اعترف بفضلها كبار مؤرخي العالم ورجاله . ومنهم العالم بريفو الذي قال : (إن العلم أجل خدمة أسدتها الحضارة العربية إلى العالم الحديث وللعرب الفضل الكبير في تعريف أوروبا بالمعرفة العلمية ، وإن العلم الأوروبي سيبقى مدينا بوجوده إلى العرب) .


    ولقد احتلت العلوم الرياضية مركزا مهما في حضارتنا الإسلامية حيث اهتم بها المسلمون اهتماما واضحا ، ويظهر ذلك من خلال النظريات والأفكار الرياضية المتطورة التي قدمها المسلمون . وقد ساعدت جملة من العوامل على تقدمهم في ذلك المجال العلمي المهم في طبيعة العقلية العربية المتفتحة صافية الذهن التي عمل الإسلام على تبلورها، حيث ان القرآن الكريم عدّ التأمّـل والتفكر في خلق الله في جملة المفاهيم الإسلامية التي لا بد للمسلم أن يأخذ بها، بالإضافة إلى تأكيده على ضرورة الاهتمام بالعلوم بصورة عامة ، كذلك فإن القرآن الكريم احتوى على الكثير من الأمور التي لا بد من معرفتها والمتعلقة في أسس العبادة وأن العمل لا يتم إلا بعد معرفة بعض الجوانب الرياضية وكان ذلك في جملة العوامل التي دعت العرب والمسلمين إلى الاهتمام أكثر في دراسة وفهم الرياضيات للاستفادة منها سواء في تحديد مواقيت الصلاة وبداية الأشهر الهجرية وأهمها رمضان المبارك وشهر الحج وبقية الأشهر الحرم عموما وتحديد اتجاه القبلة وقسمة المواريث والغنائم .



    لقد تطورت العلوم الرياضية تطورا سريعا على أيدي علماء الإسلام الذين سجلوا ابتكارات رياضية مهمة في حقول الحساب والجبر والمثلثات والهندسة، وقد أثارت أعمالهم إعجاب ودهشة علماء الغرب ، وقد أشاد الكثيرون منهم بفضل علماء المسلمين والعرب ومآثرهم الرياضية ، فقد ذكر سيدو : (إن للعرب عناية خاصة بالعلوم الرياضية كلها فكان لهم القدح المعلى وأصبحوا أساتذة لنا في هذا المضمار بالحقيقة) . أما روم لاندو فقال : (على أيدي العرب دون غيرهم عرفت الرياضيات ذلك التحول الذي مكنها آخر الأمر أن تصبح الأساس الذي قام عليه العالم الغربي الحديث ن فلولا الرياضيات كما طورها العرب كان خليقا بمكتشفات كوبرينكوس وكلبرت وديكارت ولاينبز أن يتأخر ظهورها كثيرا) . أما هوبر فذكر أن التقدم الوحيد في الرياضيات الذي ابتدأ في عصر بطليموس وحتى عصر النهضة كان من جهة العرب فقط . أما في أوروبا فكانت جميع فروع الرياضيات من الجمود الذي شلّ الفكر بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية .



    وكان للعلماء المسلمين اليد الطولى والفضل الأكبر في تطور العلوم الرئيسية وعلى رأسها الرياضيات بكل علومها المعقدة ومنها الجبر والهندسة والحساب والمقابلة وأقسام العدد والعددان المتحابان وخواص الأعداد والكسور والضرب والقسمة والمساحة للأشكال الهندسية وقوانين الأشكال الهندسية والجذور والإحصاء وغيرها من العلوم الرياضية المعقدة ، وكان علماء المسلمين من أهل الرياضيات أعلاما ، فحسبك الخوارزمي محمد بن موسى المتوفى بعد سنة 232 هـ . والذي يعود له الفضل الأساس في علوم الحاسبات الحديثة وباعتراف الغرب بأجمعه، وكلمة (Algorithm) تعني الخوارزمي، كما أنه يعتبر مؤسس علم الجبر الحديث وكلمة (Algebra) مشتقة من كتابه (الجبر والمقابلة). وهو باعتراف الغربيين أساس لكل العلوم الحاضرة فلا يكاد يخلو علم من العلوم المعقدة الحديثة إلا وفيه جبر الخوارزمي، إضافة إلى إبداعاته في نظام الأرقام والأعداد وعلم الحساب والمتواليات العددية والهندسية والتآلفية والمعادلات الجبرية والجذور واللوغارتمات والفلك والمثلثات والأرقام الهندية والطريقة البيانية لإيجاد الجذور =، وله أكثر من 27 مؤلفا في مختلف العلوم أشهرها (الجبر والمقابلة) الذي نقله إلى اللاتينية روبرت أوفشستر (عن كتاب بغداد مدينة السلام) .


    وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المرأة المسلمة شاركت أيضا في الإنجازات العلمية الرياضية ، ومن هؤلاء النسوة عالمة الرياضيات العربية أمة الواحد ستيتة المحاملي البغدادية المتوفاة سنة 377 هـ. .

    ولنأخذ مثالا واحدا من هؤلاء الأماجد وهو أبو منصور عبد القاهر بن طاهر بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم التميمي الشافعي البغدادي صاحب المعارف الواسعة في أمور الدين والفقه واللغة والحساب والهندسة وله مؤلفات عديدة أهمها (الملل والنحل)، (نفي خلق القرآن)، (بلوغ المدى من أصول الصدى)، (تأويل متشابه الأخبار)، (أصول الدين في علم الكلام)، (الإيمان وأصوله)، (التحصيل في أصول الفقه)، (العماد في مواريث العباد)، (تفضيل الفقير الصابر على الغني الشاكر)، (معيار النظر)، (التكملة في الحساب)، و(رسالة المساحة). لقد شكلت مباحث هذا العلامة تراثا علميا خالدا حمل معه طابع الأصالة والابتكار. فقد بحث في مختلف جوانب علم الحساب والهندسة والأعداد جمعا وتفريقا وتضعيفا وضربا وقسمة وكيفية إخراج الجذور في الأعداد الصحيحة وغير الصحيحة والكسور بين صورها وطرق جمعها وتفريقها وضربها وقسمتها واستخراج جذور الكسور التربيعية والتكعيبية والضرب والقسمة باستخدام الهندسة والأعداد المتناسبة والجذور ومسائل العدد وخصائصه وتطبيقاته في المعاملات والصرف وتحويل الدراهم والدنانير والأجرة والربح والخسارة والزكاة والجزية والخراج وحساب الأرزاق والبريد والثلاثي والأعداد المضمرة وغيرها من علوم الحساب. وأما في الهندسة فقد أوضح مساحات الأشكال للمثلث والمربع والدائرة والمجسمات، وفي المسائل العلمية في حفر الآبار وبالأشكال الهندسية الدقيقة التي أثبتت مقدرة رياضية فائقة . وكمثل على جهلنا بهذا التراث العظيم نذكر أننا في مناهجنا الحالية ما زلنا نستعمل الكثير من مسائله عدا تغيير بسيط بالألفاظ والتسميات وذلك لمواكبة التطورات العلمية المعاصرة، ولكن للأسف الشديد بدون الإشارة إلى فضل عالمنا عبد القاهر البغدادي وغيره من علمائنا العظام الذين كان لهم قصب السبق في اكتشاف وابتكار أفضل طرق حل المسائل الرياضية وأسلوب عرضها ، ولنأخذ مثالا واحدا من الأمثلة التي ذكرها البغدادي ونقارنه بأحد الأمثلة الحديثة ، لنرى كيفية عرض هذا العالم الجليل لمسائله الرياضية : فقد ذكر عبد القاهر البغدادي عند عرضه لمسائل البريد المثال الآتي :

    (عاملي بريد إن خرج أحدهما من بغداد إلى الكوفة يسير كل يوم ثلث الطريق وخرج الآخر في تلك الساعة من الكوفة إلى بغداد ، يسير كل يوم ربع الطريق، ففي كم من الزمان يلتقيان ؟)، وهذا المثال يثار بالسؤال الآتي الذي نعلمه لطلبتنا في الوقت الحاضر وهو : (قطاران أحدهما من بغداد إلى الموصل يقطع كل يوم ثلث المسافة ، وسار الآخر في تلك الساعة من الموصل إلى بغداد ويسير كل يوم ربع المسافة، ففي كم من الزمان يلتقيان ؟). وأترك التعليق للمتابع الكريم ! . . .

    ومعلوم أن العرب هم الذين ابتكروا الرقم (صفر) وهذا بحد ذاته فتح الآفاق الواسعة أمام علم الأرقام والعدد والرياضيات ، كما وأن الأرقام العربية المستخدمة الآن هي بالأصل أرقام هندية ، بينما الأرقام الإنجليزية المستخدمة دوليا عي أصلا الأرقام العربية التي اكتشفها المسلمون بناء على طريقة الزوايا، إذ يمثل كل رقم رسما توضيحيا يعتمد على زوايا تقابل ذلك الرقم ، فالعدد (1) يمثل زاوية واحدة ، والعدد (2) يمثل زاويتين ورسمه الأصلي يشبه الحرف Z إلا أنه حرّف إلى شكله الحالي ، والعدد (3) كذلك وهلمّ جرّا . . . إلى أن نصل إلى العدد تسعة وهو مكون من تسع زوايا كما هو مبين بالشكل أدناه لمواقع الزوايا لكل رقم غباري عربي، ولم يُستعمل نظام الزوايا بالنسبة للصفر بل استعملت الدائرة لأنها ليست رقما أو عددا وإنما هي مكونة من لا شيء، والقصد من استعمالها هو للدلالة على موقع الفراغ بالنسبة للأرقام ووضعها في الخانات الصحيحة ، لتفرق بين الخانة الآحادية والعشرية والمئوية . . . إلخ .

    q عدد تكرارات الكلمة والحرف في السورة الواحدة وفي القرآن بأجمعه . q تسلسل الكلمة ونسبتها إلى عدد كلمات السورة . q تسلسل آية الكلمة ونسبتها إلى عدد آيات السورة . q تسلسل رقم السورة ونسبتها إلى سور القرآن الكريم . q الوزن الرقمي للكلمة أو حساب جملها . Ø الكندي المتوفى في بغداد سنة 288 هـ. Ø إبراهيم بن أحمد الشيباني المتوفى سنة 298 هـ. Ø الفضل بن محمد بن عبد الحميد أبو برزة الحاسب المتوفى سنة 298 هـ. Ø علي بن أحمد العمراني الموصلي البغدادي المتوفى سنة 344 هـ. Ø ابن أعلم الشريف البغدادي المتوفى سنة 475 هـ. Ø عبد القادر البغدادي المتوفى سنة 429 هـ. Ø ابن الصلاح البغدادي المتوفى سنة 548 هـ. Ø جعفر القطاع المدعو بالسديد البغدادي المتوفى سنة 602 هـ. Ø معين الدين عبد الرحمن بن إسماعيل الزبيدي البغدادي المتوفى سنة 620 هـ. Ø ظهير الدين علي بن محمد الكازوني المتوفى سنة 697 هـ. Ø وابن الخوام البغدادي المتوفى سنة 724 هـ.

    وهذه الأرقام تسمى باللغة العلمية (الأرقام العربية Arabic Numeric) ، ولن نزيد عن الكلمة العظيمة التي قالها المهندس الإنشائي الكبير البروفيسور (كيني) إذ قال في مقدمة أحد كتبه : (يكفي العرب فخرا أن تكون أرقامهم أساسا لكل علومنا الحاضرة) .

    الأرقام والعددية في القرآن الكريم

    أولا -إن نظرة ثاقبة إلى سورة النساء فقط ومدى الروعة العظيمة في تقسيم الميراث في الإسلام وحقيقة إعطاء النصف والربع والثلث والسدس لحالات مختلفة يريك مدى الترابط بين القانون وعلم الاجتماع والاقتصاد والرياضيات .

    وثانيا - فإذا تأملت لماذا هذه الكسور وحقيقة تقسيمها بهذه الدقة وربطها مع الحالات الاجتماعية المختلفة لكل تقسيم يريك الدقة في مراعاة الحقوق من جهة ودقة التقسيم الرياضي من جهة ثانية .

    وثالثا - وهذا ما يهمنا في هذا البحث - إن علم الرياضيات يحوي على ما يسمى بالكسور الاعتيادية وهذا العلم لم يكن معروفا بهذه الصفة الشمولية وهذه الدقة عند نزول الآية بل تطور بعدها بزمن . يقول تعالى : (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ &nbsp سورة البقرة 261 . وما في هذه الآية المباركة من موضوع الأرقام والمضاعفات الرقمية ما يغني عن التعليق لوضوحها .

    أما في ما يتعلق بالدرجات والتصانيف فقوله تعالى : (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) سورة الأنعام 132 ما يبين لك أهمية موضوع الدرجات في القرآن الكريم ، وما سنذكره لاحقا هو حول الإعجاز الرقمي وهو في محيط كتاب الله المعجز .

    أما في الإحصاء فللقرآن سبق أيضا، يقول تعالى: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) سورة البقرة 261، كما وردت كلمة إحصاء بكل مشتقاتها وتفاعيلها في القرآن الكريم 10 مرات في سورة الجن والمجادلة والكهف ومريم ويس والنبأ والمزمل وإبراهيم والنحل والطلاق .

    فتصور أخي المتابع أن كل ذرة في الأرض وفي جسم الإنسان وفي الكون من أي مادة كانت آلة التصوير (الكاميرا) محمولة معها تسجل تحركاتها وأعمالها فكم من المعلومات بإمكاننا أن نجمع في الثانية الواحدة ، يقول تعالى : (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) سورة الأنعام 59 فكم هو علمنا الإحصائي إلى علم الله . ألا من متأمل ؟، ولنا عودة لهذه الآية في رابط آخر إن شاء الله .

    إن علم المواريث هو واحد من أهم العلوم الاجتماعية التي أولاها الإسلام اهتماما عظيما لأنه يشكل إحدى الدعامات الرئيسية التي يبنى عليها البناء الأساسي للمجتمع وهو الأسرة، ويعتبر هذا العلم في الفقه الإسلامي من أهم وأعقد العلوم، وهو أول العلوم التي يرفع تطبيقها من أمة الإسلام كما تنبأ المصطفى صلى الله عليه وسلم فجاء الخطاب القرآني فيه بشكل بناء اجتماعي - هندسي - رياضي محكم .

    وبناء على ما سبق فإن للرقم والعد والرياضيات والعلوم الرياضية المختلفة (وهي أم العلوم كما ذكرنا) أهمية بالغة جدا في البنية الشخصية للمسلم، وإذا ما عدنا غلى كتاب إلى العظيم وحاولنا اقتباس بعض من نوره . فإذا أجرينا إحصائيات عديدة معتمدين على عدة أساليب رياضية وإحصائية ومنها عدد مرات التكرار ، وتسلسل الكلمات والآيات والسور، وعدد الأحرف، وغيرها، وكذلك حساب الجمل، وأحيانا التراميز الثلاثة لحروف القرآن، والأوزان الرقمية للأعداد وهو ما عرف عند العرب من عصر قبل الرسالة الإسلامية وكذلك عرفت عند أقوام آخرين من أصحاب اللغات السامية الأخرى كالعبرية وغيرها، لوجدنا أن الإشارات القرآنية للعدد والرقم والرياضيات تقسم إلى الأقسام الآتية :


    فائدة في الأعداد الصحيحة :

    وهي ثلاثون عددا ، إذا جمعنا قيم هذه الأعداد جميعا فسنجدها كالتالي :

    - 162146 – أي – 19 × 8534 - أيضا : 162146 ÷ 23 = 702 ÷ 27 = 26

    وإذا أردنا أن نضيف الأعداد التي لم يصرح بها مباشرة وهي – تسع وتسعون – وقد ورد العدد تسعة صراحة وكذلك العدد تسعة وتسعون، أما العدد – تسعين فلم يرد في الأعداد الصريحة سالفة الذكر .

    وهناك أيضا العدد – 950 – فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما - .

    وهناك العدد – 309 – ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا - . وعليه يكون مجموع قيم الأعداد التي لم تذكر صراحة هو :



    عدد مفردات جميع الأعداد 69 ÷ 23 = 3 . (23 هو مدة تنزيل القرآن) .

    نرصف الأعداد :

    1 - الإشارة المباشرة إلى الرقم الصحيح : فقد وردت الأرقام الصحيحة الآتية بشكل واضح في آيات متعددة (1 / 2 / 3 / 4 / 5 / 6 / 7 / 8 / 9 / 10 / 11 / 12 / 19 / 20 / 30 / 40 / 50 / 60 / 70 / 80 / 99 / 100 / 200 / 300 / 1000 / 2000 / 3000 / 5000 / 50000 / 100000) . 950 + 309 + 90 = 1349 أي 19 × 71 . 10000050000500030002000100030020010099807060504030 2019121110987654321

    نقسم ÷ 7 =

    14285785715000042860000142900028585856867229291471 717017301569664903


    (نكتفي بهذه التحليلات العددية حيث لم نستعمل معكوس الأعداد وضربها)


    يقول الدكتور أحمد محمد إسماعيل : (والقرآن الكريم ذكر أرقاما تعكس بشكل واضح النظامين الستيني والعشري فذكر الأرقام (1 / 2 / 3 / 4 / 5 / 6 / 7 / 8 / 9 / 10 / 11 / 12) ولم يذكر (13) وهذه الأعداد المتسلسلة تمثل أشهر السنة وهو أساس النظام الستيني الذي كان يستعمله البابليون . ثم ذكر بعد ذلك الرقم (19) ثم يذكر القرآن الأرقام التي تمثل النظام العشري ( 10 / 20 / 30 / 40 / 50 / 60 / 70 / 80 / 99) ثم يكمل ذكر الأعداد ( 100 / 200 / 300 / 1000 / 2000 / 3000 / 5000 / 50000 / 100000) وواضح أن العدد (99) يمثل أسماء الله الحسنى .



    اهتم المسلمون ومنذ القرون الأولى بالعدد القرآني، وقد ذكر الدكتور غانم الحمد محقق كتاب (البيان في عدّ آي القرآن) لأبي عمرو الداني ، ذكر 136 كتابا في علم العدد القرآني، ابتداء من كتاب (العدد ) للعطاء بن يسار المتوفى عام 103 هجرية، وانتهاء بكتاب (زهر الغرر في عدد آيات السور) لأحمد السلمي الأندلسي المتوفى عام 747 هـ. ، إلا أن هذا الاهتمام لم يتطور عبر العصور ليعطي النتائج المرجوة .



    يذكر الأستاذ الحكيم الشيخ جوهري طنطاوي في تفسيره الجواهر، أن للغة وفصاحتها وبلاغتها أوزانا للحروف وتسلسلات وتكرارات ذات مغزى، وان أهمية أوزان حروفها من أهمية اللغة نفسها، وبين ذلك بالتفصيل فذكر أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه والشافعي رحمه الله تعالى استنتجا من القرآن الكريم مغزى وأهمية البلاغة وتدرجها وأثر التكرار في الحروف والكلمات والسور وإن كل ذلك له دلالات رقمية ذات معاني كبيرة (راجع الجواهر في تفسير القرآن) .



    وكان ممن أبدع في هذا المجال الدكتور إدريس الخرشاف، أستاذ الرياضيات في كلية العلوم بجامعة الرباط إذ قدم رسالة الدكتوراه إلى جامعة باريس في ثمانينيات القرن العشرين الميلادي بعنوان (المعادلات الرياضية في القرآن الكريم)، أثبت فيها أن علم الرياضيات الحديث لم يتوصل إلى كل الرياضيات وبحورها الموجودة في القرآن الكريم، إذ يحوي القرآن الكريم علوما رياضية معقدة لم يتوصل إليها علمنا الرياضي الحاضر، وأحدثت أطروحته هذه ضجة كبيرة في الأوساط العلمية في المغرب والعالم الإسلامي وكذلك في فرنسا وبقية أوروبا والعالم، وقد نشرت رسالته وأبحاثه في مؤتمرات ومجلات عديدة وكان لها صدى كبير. وكان قد دون زبدة أفكاره الرياضية الرائعة في كتاب أسماه (المنهج العلمي الرياضي في دراسة القرآن الكريم) والذي أثبت به أن القرآن الكريم له خصوصية رياضية تثبت بما لا يقبل الشك أنه من عند الله تعالى ولا يمكن لأي إنسان أن يأتي به من عنده، وقد استخدم القوانين الرياضية الخاصة بالمتجهات المستوية والفضائية، وقوانين الاحتمالات والإحصاء، وقد اعتمد أيضا على الرياضيات البحتة ومبادىء علم الميكانيك وكذلك الاعلاميات والتي لعبت دورا كبيرا في نتائجه . . . وقد اعتمد على أسلوب التحليل المعاملي للتقابلات أي التحليل الشامل للقضايا المتعددة الأبعاد Multidimensional وهو آخر ما توصل إليه علم الإحصاء الحديث .



    ومن الذين تكلموا في هذا الموضوع وأبدعوا الأستاذ بسام جرار أحد أبطال مرج الزهور في كتابيه (إعجاز الرقم 19 في القرآن الكريم مقدمات تنتظر النتائج) ، و(إرهاصات الإعجاز العددي في القرآن الكريم) . وقبله أيضا عبد الرزاق نوفل في كتابه (الإعجاز العددي في القرآن الكريم " وهو في ثلاثة أجزاء ") والباحث الأردني عبد الله جلغوم في كتابه (أسرار ترتيب القرآن - قراءة معاصرة) وغيرهم . وقد توصل الباحثون إلى إثبات أن القرآن الكريم لا يقبل التحريف أو الزيادة أو النقصان أو التبديل في مواقع السور، وكان إثبات هذا ليس بأسلوب فلسفي أو جدلي، وإنما بالأرقام والحسابات الرياضية العلمية المعقدة التي لا تقبل الخطأ، وعليه كان معجزة ترتيب سور القرآن الكريم ليست مصادفة أو بفعل بشر أو باجتهاد، وإنما جاءت من خالق الكون العالم بالسر وأخفى .



    ثم جاء دور كتاب الدكتور المهندس احمد محمد إسماعيل الرائع (أنظمة رياضية في برمجة حروف القرآن الكريم)، ليكشف لنا (167) حقيقة رياضية وإحصائية وعلمية عن القرآن الكريم، ومنها أن سورة السجدة ذات رسم منحن للمدرج التكراري أي معامل الارتباط الخاص بالأحرف (الم) تمثل حالة سجود بينما بقية السور تمثل خطاً مستقيما ، وأن القرآن الكريم خاضع لمتسلسلة رياضية لا تقبل معها فكرة أي زيادة أو نقصان أو حذف أو تقديم أو تأخير ، لأن ذلك يعني أن المتسلسلة قد انهارت وتغيرت بمعالمها وفقدت صفتها الرياضية المعقدة التي عليها . وجراء ذلك الإعجاز الرياضي والرقمي وبعد أن أصبح العقد التسعيني للقرن العشرين الميلادي عقدا حاسوبيا تم إدخال القرآن الكريم إلى الحاسوب من قبل علماء غربيين وشرقيين ورأوا ما رأوا من أعاجيب جراء ذلك خصوصا فيما يتعلق بالأحرف الأولى للسور مما أدى إلى إسلام الكثيرين منهم . 2 - إشارة مباشرة إلى الرقم الكسري : وهو ما ورد في سورة النساء مثل (8/1 ، 6/1 ، 4/1 ، 3/1 ، 2/1) ومنها أيضا كلمة معشار أي (10/1) . 3 - إشارة غير مباشرة إلى الرقم والعدد : ومنها (كثير، قليل، بضع، بعض، وغيرها) وهي كلمات معروفة لدى العرب تعني أرقاما محددة ومنها ما فسرها الحديث الشريف وأهل التفسير . 4 - إشارة إلى الإحصاء عموما : مثل الآيات الكريمات التي تم ذكرها في البداية . 5 - إشارة إلى العمليات الرياضية الرئيسية : كالجمع مثل قوله تعالى : (وازدادوا تسعا) الكهف 25 . والطرح مثل قوله تعالى : (وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) سورة فاطر 11 . والضرب مثل قوله تعالى : (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة 261 . والقسمة مثل قوله تعالى : (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَر) القمر 28 . 6 - إشارة إلى المقاييس والوحدات : كقوله تعالى : (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ) الحاقة 32، و (اثنا عشر شهرا) التوبة . وسنشرح ونفصل هذا في رابط خاص إن شاء الله . 7 - أثبتت البحوث العلمية الرصينة وجود منظومات عددية عديدة في القرآن الكريم لها دلالاتها الرياضية والإحصائية العجيبة مثل منظومات الأعداد ( 7، 19، 23، 27، 29) وغيرها الكثير . 8 - هناك أيضا التناظرات والتقابلات العددية القرآنية وهي كثيرة جدا مثل تقابلات الأعداد (3، 88) وغيرها مما أثبته المهندس عدنان الرفاعي في كتابه (المعجزة - كشف إعجازي جديد في القرآن الكريم) ، وكذلك ما قدمه الدكتور المهندس أحمد محمد إسماعيل في كتابه (أنظمة رياضية في برمجة حروف القرآن الكريم) والكثير من الحقائق في هذا المجال . 9 - النوع الآخر من الأرقام والأعداد في القرآن الكريم - وهو الذي نقصده - : عدد السور والآيات والكلمات والحروف، تكراراتها، تسلسلاتها، نسبها المبينة على نظام رياضي معجز وعجيب لا يستطيع بنو البشر الوصول إلى أسرار إعجازه العظيم، ودلائل وجوده وتنظيمه، والأسباب التي جعلته بهذا الشكل المتسلسل الرائع والذي ينم عن قصد لا يعلمه إلا الله تعالى، وقد يستطيع بنو البشر تلمس بعض جوانب إعجازه بالبحث والتقصي المستمرين إلى يوم القيامة، وقد لا يستطيعون . 10 - هناك أيضا ما يعرف بحساب الجمل، أو الوزن الرقمي للحرف، وهو ما سنتعرض له لاحقا برابط آخر مستقل بسبب ما حصل فيه من لغط كثير . 11 - هناك أيضا تفسيرات رقمية للقرآن الكريم عن طريق اكتشاف بعض الرموز الجديدة للحروف مثل ما تناوله الأستاذ عاطف صليبي في كتابه الرائع (أسرع الحسبين) (لاحظ كلمة الحاسبين كتبت الحسبين وهو حسب الرسم العثماني للمصحف الشريف) .


    من صور الإعجاز الهندسي في القرآن الكريم



    (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(1).
    تأتي الآية استطرادًا للحديث عن مسجد الضرار الذي أسسه المنافقون في المدينة بغرض إيقاع التفريق بين المؤمنين وتحقيق الضرر والفتنة. والبناء الذي أسس وإن كان مسجدا ـ كغيره من المساجد ـ إلا أن أساس بنائه والغرض والنية من إقامته لا يخفى منها خبث المقصد وسوء النية.
    وقد جمعت الآية في تصوير فني رائع بين المعقول والمحسوس، وشبهت المعنوي المفهوم بالمادي الملموس، فمن أسس بناءه بغرض ونية النفاق والكفر، كمن وضع أساس مبناه على شفا جرف هار، والنتيجة هي الانهيار المفاجئ والسريع للجرف والمبنى معا.
    وفي الآية إشارات هندسية إلى أساسات المباني وطبيعة البناء التي تحكم درجة صمود البنيان ومتانته أو تؤدي إلى انهياره، وتضمنت عدة إشارات تمس جانبا من علم ميكانيكا التربة والأساسات، في الهندسة المدنية والإنشائية، وبينت الآية وجها من أوجه الإعجاز الهندسي في القرآن الكريم يمكن استنباطه من المفاهيم والإشارات الهندسية التالية التي وردت في نص الآية:
    الاستنباط الأول(2):
    تناولت الآية عدة عوامل ذات تأثير فعال ومباشر في تأسيس أساسات المنشآت؛ فلفظة (أساس) معناها في اللغة أصل كل شيء، وأساس البناء مبتدؤه(3). وفي الهندسة: التأسيس والأساس هو العنصر الإنشائي الذي يستخدم لنقل الأحمال المؤثرة من البنيان إلى التربة أو الأرض.
    وعند ذكر التأسيس والأساس: (.. أسس بنيانه..) لابد أن تكون هناك أحمال ناشئة من البنيان تستلزم إنشاء أساسات لها، وتستلزم اختيار نوع مادة الأساسات طبقًا لذلك. فعامل الأحمال المؤثر مأخوذ في الاعتبار أيضا.
    ولفظة (على) في قوله: (عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ) لها معنيان هندسيان.
    أحدهما يفيد أن نوع الأساس المختار هو الأساسات السطحية Shallow Foundation وليس الأساسات العميقة deep Foundation لأنه لو كانت الأساسات عميقة لكان التعبير المناسب هو (في شفا) وليس (على شفا) فعامل نوع التأسيس ملحوظ ومأخوذ في الاعتبار.
    وهذا المفهوم الهندسي يتطابق مع معنى الآية الكريمة حيث يكون الانهيار مؤكدًا عندما يكون الأساس سطحيٌّا وليس عميقًا.
    وثانيهما أنها تفيد بعمق التأسيس، فلفظة (على) أفادت أن الأساس على السطح أي أن عمق التأسيس يساوي الصفر.
    فلو أن الأساس على عمق من سطح الأرض لكان التعبير المناسب مثلا هو (بداخل شفا) فعامل عمق التأسيس مأخوذ في الاعتبار.
    وهذا المفهوم الهندسي يتطابق مع معنى الآية حيث يكون الانهيار مؤكدا حين يكون الأساس سطحيا وعلى سطح الأرض مباشرة، لأنه إذا كان الأساس سطحيا، وكان على عمق من سطح الأرض ربما لا يحدث انهيار.
    ولفظة (شفا) معناها في اللغة حافة(4)، وفي الهندسة لها مدلول يفيد بأنها المنطقة التي تبدأ من حافة الجرف وحتى نقطة بدء التصدع في الجرف والتي يحدث عندها شكل الانهيار نتيجة ميل طبقة الجرف، فعامل بُعد التأسيس عن حافة الجرف مأخوذ في الاعتبار.
    وهذا المفهوم الهندسي يتطابق مع معنى الآية؛ فحتى يكون الانهيار مؤكدًا لابد أن يكون التأسيس داخل منطقة الشفا، لأنه لو بعد عنها قد لا يحدث انهيار.
    ولفظة (جرف) في اللغة تعني (بئر) أو (حفرة)(5)، وفي الهندسة: الفجوة من الأرض قد تنشأ بفعل السيول، وبالتالي لابد أن نأخذ في الاعتبار تأثير المياه على الأساسات، وعلى تربة التأسيس.
    وقد تنشأ هذه الفجوة بفعل عوامل التعرية، فلابد أن نأخذ في الاعتبار شكل جوانب الجرف ودرجة ميلها أي زاوية ميل الجرف، وتأثير الإجهادات على حوافها، وهذا المفهوم الهندسي يتطابق مع معنى الآية؛ لأنه كي يكون الانهيار مؤكدا لابد أن يكون للجرف حافة وأن يكون التأسيس عليها.
    ولفظ (هار) في اللغة قد تأتي بمعنى مشرف على السقوط(6)، وفي الهندسة تأتي بمعنى التربة القابلة للانهيار، فعامل نوع تربة التأسيس مأخوذ في الاعتبار.
    وهذا المفهوم الهندسي يتطابق مع معنى الآية، فحتى يكون الانهيار مؤكدا لابد أن تكون التربة ضعيفة وغير قابلة للتأسيس عليها.
    لقد تضمنت هذه الآية الكريمة الإشارة إلى ثمانية عوامل، تمثل معايير أساسية في تأسيس الأساسات وهي:
    1 ـ نوع الأحمال المؤثرة.
    2 ـ نوع مادة الأساسات.
    3 ـ نوع التأسيس (سطحي/ عميق).
    4 ـ عمق التأسيس عن سطح الأرض.
    5 ـ بُعد التأسيس عن الحافة.
    6 ـ تأثير المياه على تربة التأسيس، وعلى الأساسات نفسها.
    7 ـ زاوية ميل التربة.
    8 ـ نوع تربة التأسيس.
    ومن هذه المعايير يمكننا إثارة نقاط بحثية ودراسية جديدة تتعلق بالآية الكريمة، أو تأكيد ما هو معروف من مفاهيم.
    الاستنباط الثاني(7):
    ثمة إشارة هندسية في قوله تعالى (فَانْهَارَ بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ)؛ فذكر (به) في الآية أعطى مدلولا واضحا ومحددا لشكل وهيئة الانهيار، حيث إن الجرف انهار به البنيان، فالانهيار هنا ناشئ عن خلل في منطقة الجرف وليس في البنيان ذاته، وفي ذلك تعبير قرآني بليغ.
    فالحق لم يقل (فانهار في نار جهنم) لأن المعنى في ذلك يحتمل التساؤل: أيهما الذي انهار؟ الجرف أم البنيان؟ فالفعل (انهار) يحتاج إلى فاعل مفرد مذكر، وكل من الجرف والبنيان مفرد مذكر.
    ويرد إلى الخاطر هذا التساؤل: هل يمكن للجرف أن ينهار دون البنيان؟ أو ينهار البنيان دون الجرف؟
    هندسيٌّا يمكن للجرف أن ينهار دون أن يلحق الضرر بالمبنى إذا أخذت الاحتياطات اللازمة عند اختيار وتصميم وتنفيذ نوع الأساسات المناسبة للمبنى ولتربة التأسيس، وأيضا يمكن للمبنى أن ينهار دون أن ينهار الجرف.
    وتوجد مفاهيم هندسية عديدة يمكن أن تثار حول هذين الاحتمالين، ومنها ما يمكن أن يكون نقاط بحث وتطوير وابتكار، ولكن معنى المثل في الآية أن البنيان الذي أسس بنيّة تقوى الله هو مسجد قباء والصلاة فيه جائزة، بينما الذي أسس بينة التفريق بين المؤمنين هو مسجد الضرار ولا صلاة فيه، فكل من المبنيين مسجد، ولكن الفرق يكمن في النية من تأسيس كل منهما؛ فيظل مبنى مسجد قباء مسجدا، بينما مبنى مسجد الضرار يحرم استخدامه كمسجد لقوله تعالى: (لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا)(8) فهو لم يعد يفي بالغرض الرئيسي من بناء المساجد، وهو إقامة الصلاة.
    المبنيان موجودان، لكن انهار الغرض من استخدام أحدهما كمسجد.
    وبناء على ذلك ففي قوله: (فَانْهَارَ بِهِ) دقة في التعبير القرآني تجعل المفهوم الهندسي واضحا ومحددا، نحو شكل الانهيار الحادث، فهو جاء نتيجة لانهيار الجرف وما عليه من بنيان، بينما (فانهار) فقط، لا تحدد هذا المفهوم الهندسي. ولم يقل الحق (فانهار في نار جهنم) لأن المعنى هنا وإن كان سيشير للانهيار، إلا أنه لا يحدد السبب الرئيسي المؤدي للانهيار؟ هل هو من الجرف أو من البنيان أو من كليهما؟ وكذلك لا يبين أيهما الذي انهار، هل هو الجرف فقط؟ أم الجرف بما عليه من بنيان؟ أم البنيان فقط، وإذا كانا انهارا هما الاثنان فهو لا يبين أيضًا أيهما الذي انهار أولاً.
    هندسيٌّا يجوز أن يكون الانهيار بسبب أي من هذه الاحتمالات، ولكن المراد من التشبيه هو توضيح الفرق بين من أسس بنيانه بنية التقوى من الله ورضوانه، ومن أسس بنيانه بنية النفاق والكفر، فمفهوم البنيان ثابت في الحالتين، ولكن الاختلاف في التأسيس، وبناء على ذلك، ففي قوله تعالى: (فَانْهَارَ بِهِ) دقة بليغة في التعبير وتجسيد كامل للمفهوم الهندسي بأن الانهيار يحدث بسبب الجرف الذي يتم عليه التأسيس، وتبعا لذلك ينهار المبنى المؤسس عليه، بينما (فانهار في نار جهنم) لا تجسد هذا المفهوم الهندسي.
    الاستنباط الثالث(9):
    من قوله تعالى: (شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ).
    يمكن استنباط إشارة هندسية تمس تأثير شكل المرتفعات ونوع التربة في سقوط الأجسام، فالآية الكريمة وضحت ثلاثة عوامل مؤثرة في تحديد أقصى سرعة لسقوط الجسم، وبالتالي أكبر كمية حركة وهي ما يعرف بقوة الانهيار.
    فالعامل الأول درجة الميل؛ فكلما كان الميل شديدًا كانت سرعة الجسم كبيرة. وأقصى سرعة نصل إليها حين يكون الميل رأسيا ـ أي يصنع خط الميل 90 درجة مع المستوى الأفقي ـ وبالتالي فإن قوة الانهيار تكون أقصى ما يمكن واللفظة (جرف) توحي بهذا المفهوم الهندسي. فهي في اللغة تأتي بمعنى بئر أو حفرة. وفي علم المساحة الطبوغرافية قد تأتي بمعنى مرتفع أو منخفض.
    حيث إن خطوط الكونتور تعبّر عن خط وهمي يمر بجميع النقاط ذات المنسوب الواحد، وهي تتباعد في الانحدارات الخفيفة، وتتقارب في الانحدارات الشديدة وتصل إلى درجة التماس وتنطبق على بعضها بعضا لتكوّن خطٌّا واحدا عندما يكون الميل 90 درجة، وهي تحدث عندما يكون المرتفع أو المنخفض رأسيا تماما.
    فإذا سقط الجسم من فوق الجرف فإن تحركه يكون في اتجاه الجاذبية الأرضية، وتحت تأثير وزنه، لعدم وجود قوى خارجية مؤثرة على سقوطه.
    ومع عدم وجود قوى مقاومة ممثلة في الاحتكاك في جسم الجرف لأن حافة الجرف رأسية ـ فإن الجسم المنهار سيتحرك بعجلة تساوي عجلة الجاذبية الأرضية. وطالما أن الجسم يتحرك تحت تأثير وزنه وبعجلة تساوي عجلة الجاذبية الأرضية، فإنه يصل لأقصى سرعة له.
    وحيث إن كمية الحركة تتناسب طرديٌّا مع مربع السرعة، فإن سقوط وانهيار الجسم (كمية الحركة) تصل لأكبر قيمة لها عندما تكون السرعة أقصى ما يمكن، وهو ما يحدث عندما يسقط الجسم من على الجرف.
    وهذا التحليل الهندسي مطابق للمعنى الذي قصدته الآية الكريمة لتصوير سرعة وقوة انهيار المنافقين في نار جهنم، لأنهم اتخذوا مسجد الضرار كفرا وتفريقا بين المؤمنين، والفاء في قوله: (فَانْهَارَ) تدل على هذه السرعة، كما دل عليها التحليل الهندسي(10).
    والعامل الثاني نوع التربة
    فكلما كانت التربة التي يتكون منها الجرف (المرتفع) غير متماسكة، زادت سرعة وكمية حركة الجسم وازدادت قوة الانهيار.
    واللفظة (هَارٍ) توحي بهذا المفهوم الهندسي.
    فمعناها في اللغة: مشرف على السقوط ولكنه لم يسقط.
    ومعامل تماسك التربة يؤثر تأثيرا مباشرا على قيمة إجهادات التربة، والتربة غير الصالحة للتأسيس لا تتحمل أي إجهاد وأحمال عليها؛ فعند وضع جسم عليها, تهبط فجأة وتنهار، فيسقط الجسم.
    فلفظ (هَارٍ) أعطت وضوحا لحالة التربة، وهو عنصر أساس للمعنى. لأن الجسم قد يستقر على حافة الجرف إذا كانت تربة الجرف متماسكة كالتربة الصخرية مثلاً.
    وهكذا فإن المدلول الهندسي للفظة (جُرُفٍ) ولفظة (هَارٍ) يثبت أن الجسم يسقط بأقصى سرعة ممكنة، وبأقصى كمية حركة، وفي ذلك دلالة على قوة السقوط والانهيار.
    والعامل الثالث مكان تحميل الجسم.
    فكلما كان الجسم قريبا من حافة الجرف ازدادت السرعة وكبرت كمية الحركة لعدم تغيير زاوية الميل أثناء الانهيار.
    ولفظة (شَفَا) توحي بهذا المفهوم الهندسي.
    فهي في اللغة تأتي بمعنى حافة ـ كما ذكرنا من قبل ـ فلو وضع جسم بعيدا عن الحافة، قد لا يحدث انهيار للجرف، وإذا حدث انهيار له، فإن خط ميل تأثير الجسم لن يتطابق مع خط ميل الجرف، وبالتالي تقل سرعة وقوة سقوط الجسم عن الحالة التي صوّرتها الآية.
    وهكذا تتكامل الألفاظ الثلاثة في قوله تعالى.. (شَفَا جُرُفٍ هَار) لتجسيد المعنى وتصويره تصويرا فنيا بشكل ملموس في الواقع.
    والمفاهيم الهندسية المستوحاة من نص هذه الآية الكريمة أكسبت المشهد حركة وحيوية، فساعد الحس الهندسي على حضور الصورة ورسوخها في الذهن.
    ومن هذا المفهوم الهندسي للآية يمكننا إثارة مفاهيم بحثية ودراسية، تمس الجانب التطبيقي في ميكانيكا التربة والأساسات، وهي تحديد وحساب قوى الانهيار في المنشآت، وتأثيرها على المنشآت المجاورة، والمفاهيم الهندسية الواجب وضعها في الاعتبار لتلافي حدوث هذه الانهيارات؟
    الاستنباط الرابع(11):
    المعنى الهندسي لـ (شَفَا جُرُفٍ) يفيد بأنها الجانب من التربة المتآكل نتيجة السيول وليس لها ساند قوي. وعند قدوم السيل يجرف من الأودية التربة الرقيقة جدٌّا ليتجمع على طرفه فيصبح طينًا واهيًا.
    ومن هذه المفاهيم يمكن إثارة نقاط بحثية ودراسية، حول أسباب عدم التأسيس على الحواف المنهارة، وكذلك على التربة التي تكونت نتيجة السيول.
    خاتمة:
    هذه أربعة آراء ومفاهيم مختلفة مستنبطة من نص الآية القرآنية، ويمكن إضافة مفاهيم جديدة، وأبعاد هندسية وغير هندسية لنص الآية نفسها، والآية تحتمل كل هذه المعاني، ففيها إشارات يتعايش معها مهندسو الأساسات في تجاربهم ودراساتهم وتصميماتهم.



    الجوارِ المنشآت
    آية من آيات الله تعالى

    يقول الله تعالى في كتابه العزيز: (وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ * إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ)[الشورى: 32-34].
    منذ سنوات طويلة وكلما سمعت هذه الآيات التي يذكر فيها سبحانه السفن الكبيرة التي تجري في البحر وأنها آية تدل على قدرة الخالق سبحانه وتعالى، كنت أسأل نفسي: ما هي المعجزة من وراء جريان هذه السفن ولماذا هي آية تدلّ على وجود الله وقدرته وعظمته؟ بل إنه أمتنَّ علينا بها في آية ثانية بهذه الوسائل فقال:(وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآَتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ)[الرحمن: 24]. والله لا يمتنّ إلا بما هو عظيم وله فائدة هائلة.
    لقد قرأت وبحثتُ في القوانين التي تحكم حركة أي سفينة فتبين لي أن حركة السفن وطفوها وسيرها في عباب البحر لا يتم بمحض الصدفة، بل هناك مجموعة من القوانين المعقدة تتحكم بها. وقد تم اكتشاف ملامح بعضها قديماً ولكن لم يتم فهمها والاستفادة منها عملياً إلا مؤخراً. ومن أهم هذه القوانين ما يسميه العلماء بدافعة أرخميدس وقانون الطفو والتوازن.


    شكل (1) لقد سخر الله لنا هذه السفن لتجري في البحر بأمره، فقد أصبح النقل بواسطة السفن أمراً أساسياً في العصر الحديث وهذه الوسيلة تعتبر من أرخص وسائل النقل مقارنة بالوسائل البرية أو الجوية.
    ما هو قانون أرخميدس؟
    يقول قانون إن القوة الممارسة على جسم ما في وسط سائل أو غاز تساوي قوة وزن حجم السائل أو الغاز الذي يزيحه الجسم. أي إذا جئنا بوعاء ممتلئ بالماء حتى حافته، وغمسنا فيه تفاحة مثلاً فإن هذه التفاحة ستسبب انسكاب الماء من الوعاء على الأرض. ولو قسنا حجم الماء المنسكب أو المزاح سنجده مساوياً لحجم التفاحة.
    كيف تتم عملية طفو السفينة؟
    إذا كان وزن جسم السفينة أقل من وزن الماء المزاح بحجم القسم المغمور منها في الماء فإن كثافة الجسم أقل من كثافة الماء المحيط، وبالتالي فإن السفينة ستطفو إلى أن يصبح وزن السفينة مساوياً لوزن الماء المزاح. ذلك بسبب أن القوة الناشئة من وزن السفينة أقل من قوة رد فعل الماء الممانعة لها فتطفو على سطح الماء.
    أما إذا كان وزن السفينة أكبر من وزن الماء المزاح الناتج عن المساحة المغمورة من السفينة، فإن كثافة السفينة سوف تصبح أكبر من كثافة الماء مما يؤدي إلى غرق الجسم في الماء المحيط بسبب أن قوة وزن السفينة أصبحت أكبر من قوة رد فعل الماء الممانعة لغمر جسم السفينة غير القابل للذوبان أو الانتشار.
    أما إذا كانت السفينة مصنوعة من مادة ذات كثافة أعلى من الماء، مثل الحديد فإنه باستطاعتها الطفو في حال كان لها شكل مناسب بحيث تحتفظ بحجم كافٍ من الهواء فوق سطحها، وفي تلك الحالة، فإن معدل كثافة السفينة، متضمنة الحديد والهواء، سوف تصبح أقل من كثافة السائل وبالتالي فإنها تطفو.
    توازن السفينة
    أما قانون التوازن فيقضي بأن السفينة يجب أن تتوازن في الماء لكي لا تنقلب. وهناك حالات للتوازن تدرس في ميكانيك السوائل، وقد استغرق اكتشاف قوانين هندسة السفن أكثر من مئة سنة! وتبين بأن هناك قوانين دقيقة جداً تتحكم في السفينة أثناء رحلتها.
    فتصميم السفينة له دور كبير في توازنها وتحملها للمفاجآت. وكذلك نوع المعدن الذي تصنع منه السفينة له دور مهم أيضاً، وهناك دور للمحركات وقدرتها على تحمل الأوزان وقدرتها على مواجهة الأمواج.
    إذنبعد أن تمكن الإنسان من اكتشاف هذه الظواهر ووضع القوانين العلمية لها تم بناء السفن العملاقة والتي يصل ارتفاع بعضها إلى عشرات الأمتار كسفن نقل المسافرين والتي تزيد على عشرة طوابق والتي تشبه الجبال حجماً، وبواخر الشحن العملاقة التي تقوم بنقل النفط وحاملات الطائرات.


    شكل (2) رسم لسفينة مبسطة يوضح كيف أن القوة التي تمارسها السفينة على الماء بفعل وزنها يقابلها قوة رد فعل من الماء وتسمى قوة أرخميدس، والقوتان متساويتان ولذلك تبقى السفينة في حالة توازن ولا تنقلب.
    الآن نستعرض هذه القوانين التي سخرها الله لتحفظ توازن السفن على ظهر الماء.
    حجم الماء الذي يزيحه القارب هوV=x*y*i(هذا إذا اعتبرنا أن القارب هو مكعب الشكل).
    وفي حالة انعدام ذلك يجب استعمال عملية التكامل لحساب حجم السفينة وإذا ضربنا هذا الحجم بكثافة الماء فإننا سوف نحصل على وزن الماء Mw=Rho*V
    وبضرب وزن الماء بثابت الجاذبية والذي يساوي: g= 9.81 متراً على مربع الثانية، فإننا نحصل على القوة الممارسة من الماء على السفينة أي القوة المرموز لها ب Aفي الصورة و هي قوة من الأسفل للأعلى أما القوة Gفهي القوة الممارسة من الزورق على الماء. و إذا كانت Aتساوي Gفإن السفينة تطفو فوق الماء أما إن لم يكن ذلك أي في حالة Aأصغر من Gفإن السفينة تغرق
    Y: طول جزء السفينة المغموس في الماء
    I:عرض جزء السفينة المغموس في الماء
    X: ارتفاع جزء السفينة المغموس في الماء
    Rho: كثافة الماء أو السائل
    A: قوة الطفو



    شكل (4) يستخدم العلماء اليوم الطرائق الرقمية المعقدة في تصميم السفن، وبالتالي هنالك مجموعات شديدة التعقيد من المعادلات والقوانين التي يستخدمها هؤلاء العلماء لإنجاح تصميماتهم. هذه القوانين سخرها الله تعالى لنا لنتمكن من تصميم ناجح للسفن.
    بالتأكيد كان لفهم هذه الظواهر العلمية بشكل دقيق أبلغ الأثر في التطور التكنولوجي والطفرة العلمية والاقتصادية التي نشهدها، بسبب أجور النقل المنخفضة التي توفرها السفن بالمقارنة مع وسائل النقل الأخرى، ويحضرني قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحج: 65].
    فإذا رجعنا إلى معنا كلمة (سخَّر) في القاموس المحيط للفيروز أبادي نجده يقول: "سَخَّرَهُ تَسْخِيراً: ذَلَّلَهُ، وكَلَّفَهُ عَمَلاً بلا أجْرَ. و(الفُلك):السفينة". فالله تعالى قد ذلل لنا ما في الأرض من بحار ومياه وقوانين، ومنها السفن


    شكل (5) سفينة ضخمة للركاب وشحن البضائع وتضم العديد من الطوابق ومئات الغرف، وكأننا أمام مدينة مصغرة، فسبحان الذي سخر لنا هذه الوسائل المريحة والرخيصة، إنها رحمة الله تعالى.
    دور الرياح
    لقد سخر الله لهذه السفن رياحاً تحركها لتجري، ولولا حركة الرياح لبقيت السفن ساكنة على ظهر الماء وهذه نعمة من الله تعالى القائل: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)[إبراهيم: 32-34].
    وقفة إيمانية
    أخي القارئ فكّر معي للحظة! هل هذه القوانين التي أودعها الله تعالى في المياه والتي يسَّرت للسفن الجريان على سطحها كانت بمحض المصادفة أم كانت بتقدير عليم خبير عالم بها وعالم بوظيفتها؟
    أما وجه الإعجاز في الآيات:
    هو الإشارة إلى ظاهرة مهمة جدا وهي جريان السفن الضخمة على سطح الماء، وعدم غرقها برغم الحمولة الهائلة على ظهرها، والتنبيه أن هذا الجريان إنما هو آية دالة على الله تعالى ومنّةٌ منه سبحانه.
    (اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[الجاثية: 12].

    العلاقة الهندسية بين الطواف والسعى







    * مقدمة:
    نبه المولى سبحانه وتعالى فى القرآن الكريم إلى أن البيت الحرام فيه آيات بينات، مصداقاً لقوله: "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين، فيه آيات بينات مقام ابراهيم" (آل عمران: 96، 97).
    إن الطواف حول الكعبة المشرفة هو أحد أركان مناسك الحج أوالعمرة، مصداقاً لقوله تعالى: "ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق" (الحج: آية 29)، كما أن من خصوصيات المسجد الحرام الطواف حول الكعبة المشرفة سبعة أشواط، بدلاً من أداء ركعتي تحية المسجد كما في باقي مساجد الأرض الأخرى.
    كما أن السعي ما بين جبلي الصفا والمروة من أركان الحج أو العمرة أيضاً، كما أنه لا جناح على أي مسلم أن يسعى بينهما في أي وقت شاء، مصداقاً لقوله سبحانه وتعالى: "إن الصفا والمروة من شعائر الله، فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما، ومن تطوع خيراً فان الله شاكر عليم" (البقرة: آية 158).
    ويلاحظ من الآيات الكريمة السابقة أن القرآن الكريم، قد وصف السعي بين الصفا والمروة بأنه طواف أيضاً، فهل هذا الوصف القرآني الدقيق يلفت أنظارنا لوجود علاقة ما بين "الطوافين"؟، أي الطواف حول الكعبة والطواف بين الصفا والمروة.
    إن الهدف من هذه الدراسة: هو محاولة كشف العلاقة الهندسية (الحسابية)، بين الطواف حول الكعبة المشرفة والسعى ما بين جبلي الصفا والمروة، انطلاقاً من التنبيه القرآني الذي سبق الاشارة إليه.
    أولاً: الطواف والسعي لغة وشرعاً:
    الطواف في اللغة: (الطاء والواو والفاء، أصلٌ واحدٌ صحيح يدل على دوران الشيء على الشيء، وأن يَحُفَّ به ثم يحمل عليه، يقال: طاف به وبالبيت يطوف طَوْفاً وطَوَافاً، وأطاف به)، أما في الشرع فهو: التعبد لله بالدوران حول الكعبة على صفة مخصوصةً.
    وصفة الطواف المشروع: "أن يبتدئ طوافه من الركن الذي فيه الحجر الأسود، فيستقبله، ويستلمه، ويقبله إن لم يؤذ الناس بالمزاحمة، فيحاذي بجميع بدنه جميع الحَجَر ... بحيث يصير جميع الحجر عن يمينه ويصير منكبه الأيمن عند طرف الحَجَر ... ثم يبتدئ طوافَه ماراً بجميع بدنه على جميع الحجر، جاعلاً يساره إلى جهة البيت، ثم يمشي طائفاً بالبيت، ثم يمر وراء الحِجر- بكسر الحاء - ويدور بالبيت، فيمر على الركن اليماني، ثم ينتهي إلى ركن الحجر الأسود، وهو المحل الذي بدأ منه طوافه، فتتم له بهذا طوفةً واحدة، ثم يفعل كذلك، حتى يتمم سبعاً"(1).
    أما السعي في اللغة: يطلق على المشي، والقصد إلى الشيء، والعدو، والتصرف في الأعمال، واصطلاحاً: المشي بين الصفا والمروة، وقد يطلق على السعي الطواف والتطوف، كما في قوله تعالى: "فلا جناح عليه أن يطوف بهما"، أي يسعى بينهما(2).
    وقد أوضح فضيلة الشيخ الشعراوي رحمه الله، أن الطواف يعني أن تبدأ من نقطة (أو مكان) ثم تعود إليها(3)، فالمسلم فى طوافه حول الكعبة يبدأ من أمام ركن الحجر الأسود ويطوف حول الكعبة راجعاً إليه فيحسب هذا شوطاً، كما أن المسلم في السعي يبدأ من عند جبل الصفا ذاهباً إلى جبل المروة ثم يعود للصفا، وهكذا تتكرر الحركة ما بين الجبلين فتكون طوافاً.
    فالخلاصة: أن الطواف لا يعني الدوران وإنما يعني الذهاب والإياب من شيء إلى شيء مهما كانت حالة ذلك الشيء، والسعي يعني المشي بجد وكلاً من المعنيين موجود في الطواف بالبيت والصفا والمروة، فبداية الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة نعبر عنه بالمشي أو السعي وإذا تكرر كان طوافاً فكل طواف هو سعي ومشي(4).
    ولكن اذا كان المعنى اللغوي يحتمل أن يصف القرآن الكريم السعي بين الصفا والمروة بالطواف، حتى ولو كانت الحركة بينهما ترددية في خط مستقيم، وليست دائرية أو بيضاوية كما في حالة الطواف حول الكعبة المشرفة، فهل الوصف الذي يجمع ما بين الحركتين لغوي فقط؟، أم أن بينهما علاقة هندسية (حسابية)، يمكن أن تعتبر من الآيات البينات الموجودة في المسجد الحرام؟، هذا ما سوف نحاول اثباته في المحاور التالية من البحث.
    ثانياً: الطواف حول الكعبة المشرفة في زمن سيدنا ابراهيم:
    ظلت الكعبة المشرفة بنفس المقاسات من حيث أطوال حوائطها وعلى نفس قواعدها الأصلية حتى عهد قريش، وذلك لأن قريشاً عند اعادة بنائها للكعبة المشرفة أنقصت عدة أذرع من جهة الحجر، لذلك أصبح الطواف حول الكعبة المشرفة منذ أن فرض على الأمة الاسلامية وحتى الآن، حول مبنى الكعبة بالاضافة إلى حجر اسماعيل أيضاً، شكل (1)، وذلك لأن الفقهاء يعتبرون أن من دخل في طوافه من داخل حجر إسماعيل فقد أصبح طوافه باطلاً، لوجود جزء من الكعبة في حجر إسماعيل، والمطلوب هو الطواف بكل الكعبة لا بجزء منها فقط.

    شكل (1): يطوف المسلمون منذ عهد النبى صلى الله عليه وسلم والى الآن حول الكعبة المشرفة وحجر اسماعيل معا.
    وهنا يثور تساؤل عن كيفية الطواف حول الكعبة المشرفة عندما كانت أركانها الأربعة على القواعد الأصلية قبل تجديد قريش لها، ويمكن الإجابة على هذا التساؤل من خلال ما أورده الأزرقي في كتابه تحت عنوان "ذكر حج إبراهيم عليه السلام وأذانه بالحج وحج الأنبياء بعده، وطوافه، وطواف الأنبياء بعده"، حيث قال(5): "حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني محمد بن إسحاق قال: لما فرغ إبراهيم خليل الرحمن من بناء البيت الحرام جاءه جبريل فقال: طف به سبعا،ً فطاف به سبعاً هو وإسماعيل يستلمان الأركان كلها في كل طواف، فلما أكملا سبعاً هو وإسماعيل صليا خلف المقام ركعتين"، وفي موضع آخر من نفس الباب يقول: (وقال ابن إسحاق: وبلغني أن آدم عليه السلام كان استلم الأركان كلها قبل إبراهيم".
    والشاهد من النصين السابقين أن سيدنا ابراهيم وابنه إسماعيل كانا يستلمان (أي يلمسان) الأركان كلها في كل طواف، وكذلك فعل آدم عليه السلام قبلهما، وهذا يعني أن الطواف حول الكعبة المشرفة عندما كانت أركانها الأربعة على القواعد الأصلية، كان مختلفاً عما يحدث في عصرنا الحديث، حيث أن الطواف كان بجوار حوائط الكعبة تماماً بحيث يمكن لمن يطوف أن يلمس (يستلم) أركانها الأربعة.
    ثالثاً: حساب أقل مسافة للطواف حول الكعبة المشرفة:
    مما سبق يتضح لنا أن أقل مسافة للطواف حول الكعبة المشرفة بمقاساتها الأصلية، كما رفع قواعدها سيدنا ابراهيم وابنه اسماعيل، تحسب على أساس إنسان يطوف بجوار حوائط الكعبة تماماً، وهذا يعني من الناحية الحسابية أن هذه المسافة تساوي محيط الكعبة المشرفة (أي مجموع أطوال حوائطها في المسقط الأفقي).
    لقد أورد الأزرقي في كتابه "أخبار مكة" أبعاد المسقط الأفقي لحوائط الكعبة المشرفة كمايلي(6): "..فبنى البيت وجعل طوله في السماء تسعة أذرع، وعرضه في الأرض اثنين وثلاثين ذراعاً من الركن الأسود إلى الركن الشامي الذي عند الحجر من وجهه، وجعل عرض ما بين الركن الشامي إلى الركن الغربي الذي فيه الحجر اثنين وعشرين ذراعاً، وجعل طول ظهرها من الركن الغربي إلى الركن اليماني أحد وثلاثين ذراعاً، وجعل عرض شقها اليماني من الركن الأسود إلى الركن اليماني عشرين ذراعاً.."، أى أن المقاسات الأصلية للكعبة المشرفة تكون كمايلى:
    • مقاس الحائط الشمالى الشرقى يساوى 32 ذراعا.
    • مقاس الحائط الشمالى الغربى يساوى 22 ذراعا.
    • مقاس الحائط الجنوبى الغربى يساوى 31 ذراعا.
    • مقاس الحائط الجنوبى الشرقى يساوى 20 ذراعا.
    وهذا يعني أن محيط الكعبة الأصلي (أي مجموع أطوال الكعبة المشرفة) يساوي 104 ذراعاً، ونظراً إلى أن الإنسان الذي يسير بجوار الحائط يجب أن يبتعد عنه على الأقل مسافة (10سم) حتى لايحتك كتفه بهذا الحائط، مضافاً إليها نصف عرض جسم الإنسان (أي 25سم)، فإن هذا يعني أن المحور الرأسي الذي يمر بمنتصف جسم الإنسان الذي يطوف حول الكعبة يبتعد بمسافة (35سم) أي حوالي (0.68 ذراعاً، حيث أن الذراع يساوي 51سم في حالة قياسات الكعبة(7)) عن حوائط الكعبة المشرفة، شكل (2)، أي أنه يجب إضافة هذه المسافة على كل ضلع من أضلاع الكعبة من طرفيه، حتى تكون الحسابات واقعية ودقيقة.
    إذن أقل مسافة للطواف = محيط الكعبة الأصلي بالذراع + 8 X (0.68)
    = 104 + 5.44 = 109.44 ذراعاً.
    فإذا كان الطواف حول الكعبة المشرفة محدداً بسبعة أشواط،، فإن أقل مسافة للطواف حول الكعبة سبع مرات تساوي 766 ذراعاً.

    شكل (2- أ): المحور الرأسي الذى يمر بمنتصف جسم الانسان الذي يطوف حول الكعبة يبتعد بمسافة 35سم (0.68 ذراع) عن حوائط الكعبة المشرفة (دراسة ورسم الباحث).

    شكل (2- ب): المسقط الأفقى للكعبة المشرفة بمقاساتها الأصلية، وحولها الخط الذى يبتعد 35سم عن حوائطها، والذي يحدد أقل مسافة للطواف حول الكعبة (رسم ودراسة الباحث).
    رابعاً: العلاقة الهندسية (الحسابية) بين الطواف والسعي:
    اتضح لنا بالحسابات مما سبق أن أقل مسافة للطواف حول الكعبة المشرفة (بمقاساتها الأصلية) سبع مرات (أشواط)، تساوى 766 ذراعاً.
    فإذا عرفنا أن المسافة ما بين جبلي الصفا والمروة، وهي مسافة السعي بينهما شوطاً واحداً تساوي 766.50 ذراعاً(8)، كما ورد في كتاب "أخبار مكة" للأزرقي في باب "ذكر ذرع ما بين الركن الأسود الى الصفا وذرع ما بين الصفا والمروة".
    إن هذا يعني أن الطواف حول الكعبة المشرفة (سبع أشواط) كما رفع قواعدها سيدنا ابراهيم، يساوي السعي ما بين جبلي الصفا والمروة لشوط واحد، مما يعني أن وصف السعي بالطواف أيضاً لا يدل فقط على اشتراك الحركتين في أصل المعنى اللغوي، ولكن أيضاً لوجود علاقة حسابية محكمة ودقيقة، وهو ما يمكن اعتباره من الآيات البينات الموجودة في المسجد الحرام، والتي أشار لها القرآن صراحة في سورة آل عمران.
    إن هذه العلاقة الهندسية (الحسابية) تعني أن المقاسات الأصلية للمسقط الأفقي للكعبة المشرفة، هي مقاسات مطلقة بمعنى أنها ما كان يمكن أن تزيد أو تنقص على الوضع الذى اختاره الله لها، وإلا حدث خلل في العلاقة الحسابية ما بين طول محيط الكعبة المشرفة والمسافة مابين جبلي الصفا والمروة.
    ومن جانب آخر فإنه جدير بالذكر هنا، لأن نشير إلى علاقة هندسية أخرى تربط ما بين الكعبة المشرفة والمسعى بين جبلي الصفا والمروة، هذه العلاقة تتضح لنا إذا عرفنا أن قطر الكعبة الأصلي والذى يربط بين الركن اليماني والركن العراقي الأصلي يشير إلى جهة الشمال- الجنوب الحقيقي، وكذلك أيضاً الخط الواصل بين جبلي الصفا والمروة مع انحراف بسيط يمكن إهماله، شكل (3)، وهو ما أوضحناه وأثبتناه في دراسات سابقة(9).
    إن هذه العلاقة تعني أن القطر الأصلي للكعبة المشرفة يوازي تقريباً الخط الواصل بين جبلي الصفا والمروة، وهي علاقة هندسية تضاف إلى ماأثبتناه أيضاً في دراستنا الحالية.

    شكل (3): قطر الكعبة الأصلى يوازى المسعى بين الصفا والمروة.
    * الخلاصة:
    أوضحت الدراسة أنه توجد علاقة هندسية (حسابية) ما بين الطواف حول الكعبة المشرفة والسعي بين جبلي الصفا والمروة، وهو ما يعني أن الوصف القرآني للسعي بأنه طواف أيضاً لا يقتصر ذلك على اشتراك السعي والطواف في المعنى اللغوي، ولكن لأن القرآن الكريم يلفت الأنظار لوجود علاقة ما بين الطواف حول الكعبة والطواف بين الصفا والمروة، وهو ماأثبتناه في بحثنا.
    كما أوضحت الدراسة أيضاً أنه توجد علاقة هندسية أخرى ما بين الكعبة المشرفة والمسعى بين الصفا، حيث أن قطر الكعبة الأصلي الواصل بين الركنين اليماني والعراقي يوازي الخط الواصل بين جبلي الصفا والمروة (المسعى)، وكلاهما يشير إلى جهة الشمال- الجنوب الحقيقيين.
    إن النتائج التى تم التوصل اليها في هذه الدراسة يمكن اعتبارها من الآيات البينات، التي ورد ذكرها في إحدى آيات سورة آل عمران، في سياق الحديث عن أول بيت وضع للناس، ولاشك أنه توجد العديد من الآيات البينات الأخرى والتي سوف تكتشف على مرالزمن باذن الله.

    الكعبة المشرفة دراسة تحليلية للخصائص التصميمية


    مقدمة:
    الكعبة المشرفة هي أول بيت وضع للناس مصداقا لقوله تعالى: "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين"[1]، وقد اختار الله سبحانه وتعالى هذا البيت العتيق بمكة المكرمة ليكون القبلة التى يتجه إليها المسلمون في صلاتهم، خمس مرات على الأقل في اليوم والليلة.
    لقد قررت كتب الفقه الإسلامي أن التوجه للقبلة يعتبر أحد شروط صحة الصلاة، لذلك فلقد أكدت العديد من الآيات القرآنية ضرورة التوجه للمسجد الحرام حيث الكعبة المشرفة عند الصلاة، يقول سبحانه وتعالى: "وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره"[2]، أي شطر المسجد الحرام.
    ولا تقتصر وظيفة الكعبة المشرفة على كونها القبلة التي يتم التوجه إليها في الصلاة، بل إن الله جعل الطواف حولها هو أحد مناسك الحج والعمرة، كما جعل الطواف حول الكعبة من خصوصيات تحية المسجد الحرام بدلا من صلاة ركعتي تحية المسجد، كما يحدث في باقي مساجد الأرض، وقد ورد الأمر بالطواف حول الكعبة المشرفة في قوله تعالى: "وليطوفوا بالبيت العتيق"[3].
    وهذا يعنى أن أهم وظيفتين للكعبة المشرفة هما: أن تكون قبلة يتم التوجه إليها في الصلاة، كما أنها أيضا مبنى يتم الطواف حوله أثناء أداء مناسك الحج والعمرة وبديلا لركعتي تحية المسجد.
    إن الدراسات التحليلية التي أجريت على الكعبة المشرفة تعتبر قليلة نسبيا، ومن أهمها الدراسة التي قام بها الباحث "نجيب جدال"[4]، لذلك فإن هذا البحث يهدف إلى دراسة الخصائص التصميمية للكعبة المشرفة ومدى توافقها مع وظيفتها، باعتبارها قبلة يتم التوجه إليها في الصلاة من أي مكان في الأرض.
    وعادة ما تشتمل دراسة الخصائص التصميمية لأي مبنى على ثلاثة أشياء أساسية:
    دراسة الموقع الجغرافي للمبنى، والوصف الهندسي ويشمل دراسة الشكل والنسب الهندسية، و دراسة أسلوب توجيه المبنى.
    لذلك فإن البحث سيقوم بدراسة هذه الخصائص التصميمية، من أجل معرفة مدى توافق هذه الخصائص مع الناحية الوظيفية للكعبة المشرفة.
    أولا: مميزات الموقع الجغرافي للكعبة المشرفة:
    تقع الكعبة المشرفة في مكة المكرمة والتي يتحدد موقعها الجغرافي بخط عرض 21 درجة و25 دقيقة شمالا، وخط طول 39 درجة و49 دقيقة شرقا[5].
    لقد تمت بعض الدراسات العلمية التي توضح أسباب اختيار الموقع الجغرافي لمكة المكرمة حيث توجد الكعبة المشرفة، باعتبارها القبلة التي يتجه إليها المسلمون في صلاتهم أو يحجون إليها لأداء مناسك الحج والعمرة، وقد توصلت هذه الدراسات لما يلي:
    1- مكة المكرمة مركز اليابسة للعالمين القديم والجديد:
    في محاولة جادة لتحديد الاتجاهات الدقيقة إلى مكة المكرمة من المدن الرئيسية في العالم باستخدام الحاسوب الكمبيوتر، توصل الدكتور حسين كمال الدين إلى تمركز مكة المكرمة في قلب دائرة تمر بأطراف جميع القارات، أي أن اليابسة على سطح الكرة الأرضية موزعة تقريبا حول مكة المكرمة توزيعا منتظما، وأن هذه المدينة المقدسة تعتبر مركزا لليابسة[6]، شكل (1)، وهذا التوسط ينطبق على كل من العالم القديم والعالم الجديد.


    شكل 1: رسم القارات السبع للعالم يوضح أن مكة المكرمة هي مركز اليابسة[7].

    أما الدكتور مسلم شلتوت فقد أكد الدراسة السابقة عندما أعد ورقة بحثية أثبت فيها أيضا،أن مكة المكرمة تقع في مركز اليابسة للعالمين القديم و الحديث، وذلك باستخدام برنامج للحاسب الآلي، وفيما يلي أهم نتائج هذه الدراسة[8]:
    أ- بالنسبة لتوسط مكة المكرمة ليابسة العالم القديم:
    تم اختيار تسع مدن وجزر لتكون هي حدود العالم القديم، وتم تحديد موقعها وبعدها عن مكة المكرمة، وقد وجد أن المسافة القوسية The arch distance بين هذه المدن والجزر وبين مكة المكرمة تقريبا 8039 كم في المتوسط، مما يعنى أن مكة المكرمة تقع في مركز دائرة يمر محيطها بالثلاث قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا التي كانت تكوّن وتمثل العالم القديم قبل اكتشاف الأمريكتين.
    ب- بالنسبة لتوسط مكة المكرمة ليابسة العالم الجديد:
    تم حساب المسافة بين مكة المكرمة والمدن الآتية:
    1- مدينة ويلنجتون تقع في نيوزيلند بشرق قارة استراليا: وجد أن المسافة بينها وبين مكة المكرمة 13040 كم.
    2- كورن هورن أبعد نقطة في أمريكا الجنوبية: وجد أن المسافة بينها وبين مكة المكرمة 13120 كم.
    3- شمال ألاسكا أبعد نقطة في شمال أمريكا: وجد أن المسافة بينها وبين مكة المكرمة 13600 كم.
    وعلى ذلك فإن المسافة المتوسطة بين أبعد نقاط العالم الجديد وبين مكة المكرمة هي تقريبا 13253 كم، مما يعنى أيضا أن مكة المكرمة تقع في مركز دائرة تمر بحدود قارات العالم الجديد، وهذه الدائرة تمر أيضا بالحدود الشرقية والحدود الغربية للقطب الجنوبي.
    وهنا يظهر لنا أن اختيار موقع مكة المكرمة لتكون فيها الكعبة المشرفة قبلة المسلمين، هو اختيار إلهي فيه حكمة كبرى لم تكن لتعرف إلا بعد ظهور الحقائق والاكتشافات العلمية الحديثة، فالمسلمون عندما يتجهون في صلاتهم إلى مكة المكرمة فهم يتجهون إلى موقع يعتبر بمثابة مركز اليابسة، كما أنه لا يخفى دلالة توسط موقع مكة المكرمة على تسهيل الحج والعمرة للمسلمين من مختلف بقاع الأرض، فموقعها متوسط بالنسبة لكافة القارات فهي لا تقع في أقصى الشرق أو الغرب، أو في أقصى الشمال أو الجنوب.
    وقد جاء في معجم البلدان لياقوت الحموي قوله[9]: "أول ما خلق الله في الأرض مكان الكعبة، ثم دحا الأرض من تحتها، فهي سرة الأرض ووسط الدنيا، وأم القرى أولها الكعبة، وبكة حول مكة، وحول مكة الحرام، وحول الحرام الدنيا"، وهو ما يوضح أيضا أن علماء المسلمين القدامى قد فهموا ووعوا حقيقة أن مكة المكرمة هي وسط الدنيا، كما حدد البعض منهم اتجاهات وزوايا القبلة بالنسبة للبلاد الإسلامية وعلاقتها بمكة المكرمة.
    إن موقع مكة المكرمة الفريد من نوعه أدى إلى أن يطالب أحد الباحثين الغربيين، واسمه "أرنولد كيسرلنج" Arnold Keysrling، إلى أن يكون خط طول مكة المكرمة 39 درجة و49 دقيقة شرقا هو خط الطول الأساسي[10]، بدلا من خط طول جرينتش بانجلترا والذي تم فرضه على العالم سنة 1882م، وقت أن كانت الإمبراطورية البريطانية هي أكبر قوة موجودة في العالم.
    2- إشارة الظلال إلى مكة المكرمة [11]:
    لقد أدى وقوع مكة المكرمة في المنطقة المدارية الاستوائية، أي في المنطقة التي تقع بين مدارى السرطان والجدي، وتحديدا عند خط عرض 21 درجة و25 دقيقة شمالا وخط طول حوالي 39.5 درجة شرق جرينتش، إلى ارتباط مبانيها وبالتالي الكعبة المشرفة بظاهرة فلكية هامة، وهى تعامد الشمس عليها مرتين كل عام وقت صلاة الظهر (الزوال)(12)، وذلك يومي 29 مايو و16 يولية.
    ويمكن الاستفادة من هذه الظاهرة الطبيعية لتحديد أو تصحيح اتجاه القبلة من كل البلاد والأماكن بنصف الكرة الأرضية المضاءة بالشمس في هذين اليومين، وتحديدا لحظة الزوال الظهر الشرعي في الساعة 12 و 18 دقيقة حسب التوقيت المحلى لمدينة مكة المكرمة يوم 29 مايو، وكذلك في الساعة 12 و27 دقيقة في يوم 16 يوليو من كل عام، حيث تكون الشمس عمودية تماما على مكة المكرمة وينعدم ظل الشاخص فيها آنذاك.
    وفى هذين التوقيتين بالضبط يمكن لكل بلد مقابلة التوقيت المحلى لها معهما، وعن طريق مراقبة ظل شاخص موضوع عموديا على الأرض، فان اتجاه القبلة يكون في الجهة المعاكسة لظل ذلك الشاخص آنذاك، حيث يشير امتداد ظل الشاخص إلى موقع القبلة التي تتعامد عليها الشمس في هذين الوقتين كدليل ومرشد عليها، شكل 2.


    شكل (2): في لحظة تعامد الشمس على مدينة مكة المكرمة يمكن تحديد اتجاه القبلة في البلاد الأخرى، عن طريق اتجاه الظل الممدود، حيث يكون اتجاه القبلة معاكسا لاتجاه الظل[13].

    لقد أورد الفلكي المسلم "نصير الدين الطوسي" المولود سنة 597 هجرية في كتابه "التذكرة في علم الهيئة"، أنه يمكن معرفة "سمت القبلة" كما يلي[14]: "ولمعرفة سمت القبلة طرق كثيرة لا يليق إيرادها هاهنا، فلنقتصر على وجه سهل وهو أن الشمس تكون مارة بسمت رأس مكة عند كونها في الدرجة الثامنة من الجوزاء، والثالثة والعشرين من السرطان وقت انتصاف النهار هناك، والفضل بين نصف نهارها ونصف نهار سائر البلدان يكون بقدر التفاوت بين الطولين، فليؤخذ التفاوت ويؤخذ لكل خمسة عشر جزءا ساعة ولكل جزء أربع دقائق، فيكون ما اجتمع ساعات البعد عن نصف النهار، وليرصد في ذلك اليوم ذلك الوقت قبل نصف النهار إن كانت مكة شرقية أو بعده إن كانت مكة غربية، فسمت الظل ساعة إذ يكون سمت القبلة".
    إن الفقرة السابقة تؤكد أن المسلمين الأوائل قد توصلوا إلى طريقة تحديد اتجاه القبلة نتيجة تعامد الشمس على مكة المكرمة، مرتين في العام وقت منتصف النهار تماما، على التفصيل الذي أوضحناه، ويكون اتجاه الظل ساعة إذ هو اتجاه القبلة حيث الكعبة المشرفة.
    إن أسلوب تحديد اتجاه القبلة عن طريق الظلال، يعتبر أدق طريقة معروفة لتحديد اتجاه القبلة من أي مكان أو موقع بالكرة الأرضية، وهو ما يوضح أن اختيار موقع الكعبة المشرفة في مدينة مكة المكرمة، يتناسب تماما مع وظيفتها كقبلة يتم التوجه إليها في الصلاة، لأن التوجه للقبلة يستلزم التعرف إلى طرق علمية دقيقة تساعد على التوجه إليها من أي موقع أو مدينة بالكرة الأرضية.
    ثانيا: دراسة تحليلية لشكل الكعبة المشرفة ونسبها الهندسية:
    1- دراسة الشكل الهندسي:
    أورد عالم الآثار الإنجليزي "كريزول" في كتابه الشهير "الآثار الإسلامية الأولى ما يلي[15]: " في حياة محمد صلى الله عليه وسلم كان الحرم في مكة مؤلفا من بناء صغير مستطيل الشكل لا سقف له الكعبة، له أربعة جدران أعلى من ارتفاع الإنسان بقليل حسب رواية ابن هشام[16]، أو حوالي 9 أذرع حوالي 4.5م حسب رواية الأزرقي[17]، مبنية من الحجارة العادية دون ملاط مونة، وكان الحرم مستطيل الشكل يقصد الكعبة أطوال جوانبه- حسب رواية الأزرقي- 32 ذراعا شمال- شرق، و22 ذراعا شمال- غرب، و31 ذراعا جنوب- غرب، و20 ذراعا جنوب- شرق..، هذا الحرم الصغير المعروف بالكعبة يقوم في أسفل الوادي الذي تحيط به منازل مكة الملتصقة به.."، شكل 3.
    إن الوصف السابق يعنى أن أطوال أضلاع الكعبة الأصلية هي على التوالي كما يلي[18]:
    · الضلع الشمالي الشرقي 32 ذراعا.
    · الضلع الشمالي الغربي 22 ذراعا.
    · الضلع الجنوبي الغربي 31 ذراعا.
    · الضلع الجنوبي الشرقي 20 ذراعا.


    شكل (3- أ) : تصور لشكل الكعبة كما جاء وصفها في كتب التراث الاسلامى من رسم الباحث الكويتي محمد سليمان النفيسى[19]، ومقاساتها تبعا للأزرقى هي: 20×32×22×31 ذراعا.




    شكل (3- ب): مسقط أفقي للكعبة المشرفة كما رفع قواعدها سيدنا إبراهيم (من رسم الباحث).

    وهو ما يعني أنه لا يوجد ضلع من أضلاع الكعبة الأصلية يساوى أي من الأضلاع الأخرى، كما أنه لا يوجد ضلع يوازى الضلع المقابل، وهذه هي سمات الأشكال ذات الأربعة أضلاع التى يطلق عليها من ناحية توصيف الشكل الهندسي بالأشكال "المنحرفة" أو "مختلفة الأضلاع"[20]، وهى من الأشكال نادرة الاستعمال في المساقط الأفقية بصفة عامة، مقارنة بالأشكال الهندسية الأخرى كالمربع أو المستطيل أو شبه المنحرف وغيرها.
    إن مقاسات الكعبة الأصلية كما وردت في كتاب الأزرقي "أخبار مكة"، كما رفع قواعدها سيدنا إبراهيم، تختلف عن مقاسات الكعبة الحالية والتي تنقص عدة أذرع من جهة حجر إسماعيل منذ أن جددت قريش بناءها[21]، كما ورد ذلك في بعض الأحاديث النبوية، ففي صحيح البخاري-رحمه الله تعالى- قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة، لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية، لأمرت بالبيت فهدم، فأدخلت فيه ما أخرج منه"[22].
    إن مقاسات الكعبة حاليا منذ أن جدد بناءها في عهد قريش كما يلي[23]، شكل (4):
    · الضلع الشمالي الشرقي 11.68 مترا.
    · الضلع الشمالي الغربي 9.90 مترا.
    · الضلع الجنوبي الغربى 12.04 مترا.
    · الضلع الجنوبي الشرقي 10.18 مترا.


    شكل(4): المسقط الأفقي للكعبة المشرفة منذ عهد قريش وإلى وقتنا الحالي[24].

    إن الشكل الهندسي للكعبة منذ أن رفع جدرانها سيدنا إبراهيم إلى الآن لم يتغير، بالرغم من حدوث نقص من طولها من جهة حجر إسماعيل حين جددت قريش بناءها، فالشكل الهندسي للكعبة هو الشكل المنحرف أو مختلف الأضلاع، وهو شكل نادر الاستعمال في المساقط الأفقية لأنه لا يوجد فيه أضلاع متساوية في الطول أو متوازية على الإطلاق.
    لقد ورد في العديد من الدراسات والمراجع خاصة غير العربية[25]، أن سبب تسمية الكعبة بهذا المسمى أنها مكعبة الشكل، ولكن مقاسات الكعبة توضح غير ذلك كما بينا، وهذا يعنى أن سبب التسمية لا يتفق مع الشكل الهندسي.
    إن سبب هذه التسمية يمكن أن يكون راجعا لسبب آخر وهو بروز الكعبة، فالكعب في اللغة هو العظم الناتئ عند ملتقى الساق والقدم[26]، ويقال في اللغة: "كعبت الفتاة أي نهد ثديها فهي كاعب[27]، ومنها قوله تعالى في وصف الحور العين: "وكواعب أترابا"[28]، فمن المعنى اللغوي لكلمة "الكعبة" نرجح أن سبب التسمية راجع إلى بروزها، لا لكونها مكعبة الشكل لأن هذا لا يتفق مع شكلها الهندسي كما أوضحنا.
    2- دراسة النسب الهندسية للكعبة المشرفة:
    بناء على التحليل الهندسي للمقاسات الأصلية لمبنى الكعبة المشرفة، شكل (5)، كما بناها سيدنا إبراهيم عليه السلام فقد تم التوصل لما يلي:
    1- النسبة المتوسطة ما بين عرض مبنى الكعبة إلى طولها هي 2: 3، وهى نسبة هندسية دقيقة ومحددة.
    2- النسبة المتوسطة ما بين عرض مبنى الكعبة مابين حائطها الجنوبي (بين الركنين الأسود واليماني)، وطولها حتى نهاية حجر إسماعيل هي 1: 2، وهى أيضا نسبة هندسية دقيقة.
    3- النسبة الحقيقية بين حائط الكعبة بين الركنين الأسود واليماني إلى حائط الكعبة مابين الركنين الأسود والعراقي هي 1: 1.60 وهى تعرف باسم النسبة الذهبية (فاى)، وهى تعتبر من وجهة النظر الهندسية أفضل نسبة مريحة للعين البشرية ولم تعرف تحديدا إلا بدءا من الحضارة الإغريقية، على يد الرياضي الأغريقى "فيثاغورس"، حيث وجد فيثاغورس واليونانيون القدماء أن هذه النسبة مريحة بصريا، وتشكل أحد أهم معايير الجمال في الطبيعة، لذا فقد اعتمدوا هذا المستطيل الذهبي في عمائرهم[29].


    مقارنة بمقاسات الكعبة الحالية (من عمل الباحث)شكل (5): التحليل الهندسي لمقاسات الكعبة المشرفة الأصلية والحالية (من رسم الباحث).
    إن التحليل الهندسي السابق للمقاسات الأصلية للكعبة المشرفة يوضح دقة نسبها الهندسية بصفة عامة، ومن جانب آخر يوضح تميزا في اختيار النسبة الهندسية الأصلية مابين الحائط الجنوبي الغربي والحائط الشمالي الشرقي (الحائطان الملتقيان عند ركن الحجر الأسود)، حيث إن النسبة الحقيقية بينهما هي "النسبة الذهبية" (فاى).
    ثالثا: دراسة أسلوب توجيه الكعبة المشرفة:
    في هذا المحور من البحث سنحاول أن نوضح أن وضع وتوجيه الكعبة المشرفة بحيث يمكن الاهتداء إليها في الصلاة، هو وضع مقصود يتمشى مع وظيفتها الأساسية كقبلة للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
    1- دراسة توجيه الكعبة المشرفة:
    توصل المهندس محمد المعتز بالله الكنانى بعد قياس زوايا انحراف الكعبة المشرفة (عام 1410 هجرية)، إلى أن محور الكعبة الواصل بين الركن العراقي والركن اليماني مارا بمركز الكعبة، يتجه إلى الشمال المغناطيسي مع انحراف يسير جهة الشرق يقدر بحوالي 3.50 درجة[30].
    لقد قام مقدم البحث بدراسة الصورة الجوية الملتقطة بالأقمار الصناعية باستخدام برنامج "جوجل ايرث" Google earth، وبمقارنة توجيه المسقط الأفقي للكعبة حاليا بالنسبة لخطوط الطول، شكل (6)، اتضح من ذلك أن قطر الكعبة الواصل بين الركن اليماني والركن العراقي يميل بحوالي 7 درجات جهة الشرق عن اتجاه الشمال الحقيقي، وهذا يعنى أن الخط الواصل بين الركن اليماني الحالي والركن العراقي الأصلي، يشير تماما إلى اتجاه الشمال الحقيقي،شكل (7).


    شكل (6): صورة جوية للكعبة المشرفة بالأقمار الصناعية عليها خطوط الطول والعرض. (دراسة الباحث)


    شكل (7): الخط الواصل بين الركن اليماني والركن العراقي الأصلي يشير إلى اتجاه الشمال الحقيقي تماما.(من دراسة ورسم الباحث)

    لقد أدى توجيه الكعبة بهذا الأسلوب إلى أن ترتبط ببعض الظواهر الفلكية المعينة، فالشمس في فصل الصيف تشرق من أمام الحائط الشمالي الشرقي الذي به باب الكعبة، أما الشمس شتاء فتغرب من أمام الحائط الشمالي الغربى (مابين الركنين اليماني والشامي)، أما الاتجاه المتعامد على الضلع الواصل بين ركن الحجر الأسود والركن اليماني يأخذ اتجاه شروق الشمس في فصل الشتاء،وفي نفس الوقت يأخذ اتجاه النجم سهيل (سهيل اليمن) عند شروقه في الجهة الشرقية الجنوبية، وهذا النجم يعتبر ألمع نجوم السماء بعد نجم الشعرى اليمانية، أما الضلع الواقع بين الركن العراقي والركن الشامي يأخذ اتجاه ثلاثة نجوم في يد المحراث في مجموعة الدب الأكبر والتي كان يسميها العرب نجوم بنات نعش[31]، شكل(8).
    وقد تم العثور على مخطوط عربي نادر في مكتبة ميلانو (المجموعة 73) بايطاليا لفلكي مسلم من عدن باليمن يسمي محمد ابن أبي بكر الفارسي كتبه في عام 1290 ميلادي(في القرن الثالث عشر الميلادي)، وذلك المخطوط ينص بأن الكعبة بنيت بحيث أن كل ركن فيها يقابل اتجاه ريح من الرياح الأربع التي تهب علي مكة المكرمة خلال فصول العام[32].
    فالرياح الأولى تسمى الصابا وكانت تهب علي ركن الحجر الأسود وما حوله أي إنها رياح شرقية، والرياح الثانية تسمى الجنوب وكانت تهب على الركن اليماني وما حوله، والرياح الثالثة تسمى الدبور وكانت تهب علي الركن الغربي وما حوله، والرياح الرابعة تسمى الشمال وكانت تهب على الركن الشمالي وما حوله.
    وإذا كان التوجه للقبلة هو أحد أهم الثوابت الخاصة بعمارة المساجد مصداقا لقول الله سبحانه وتعالى: "قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره"[33]، فإن المسلمين الأوائل قد استفادوا من ارتباط بعض الظواهر الفلكية السابقة بالكعبة المشرفة من أجل تحديد اتجاه القبلة ولو بطريقة تقريبية.


    شكل (8- أ ): مسقط أفقي للكعبة المشرفة موضحا عليه بعض الظواهر الفلكية المرتبطة بها[34].




    شكل (8-ب): منظور للكعبة المشرفة موضحا عليه أهم الظواهر الفلكية المرتبطة بها (من عمل الباحث).

    فمع انتشار الإسلام شمالا وجنوبا وشرقا وغربا لعب النجم سهيل ونجوم بنات نعش دورا كبيرا في تحديد اتجاهات القبلة في البلاد الإسلامية المترامية الأطراف، بجانب المزولة الشمسية، وعلي أساس علم الفلك المتوارث الشعبي Folk Astronomy عند العرب في ذلك الوقت قبل قيام الحضارة العربية الإسلامية وتقدم علم الفلك تقدما كبيرا غير مسبوق.
    فقد أورد الباحثان الغربيان "ديفيد كنج" و"هاوكنجز" في بحثهما المنشور عام 1982م بمجلة "تاريخ الفلك"[35]، أن المسلمين الأوائل من ذوى الأصول المكية كانوا يعرفون حين يقفون أمام حوائط الكعبة أو أركانها، أنهم سوف يرون بعض الظواهر الفلكية كشروق أو غروب الشمس، أو بعض نجوم السماء الثابتة (كسهيل اليمن، ومجموعة نجوم بنات نعش).
    كما أوضحا أن مسجد عمرو بن العاص بمدينة الفسطاط بمصر تتجه قبلته إلى حيث موضع شروق الشمس شتاء، أما مساجد العراق الأولى فتتجه قبلتها حيث موضع غروب الشمس شتاء، مما يعنى أن المسلمين الأوائل وخاصة من ذوى الأصول المكية كانوا يستعينون بالظواهر الفلكية المرتبطة بالكعبة المشرفة، للاستدلال على اتجاه القبلة في العقود الإسلامية الأولى قبل تقدم علم المساحة.
    كما ورد في كتب التراث الإسلامي ما يدل على معرفة المسلمين الأوائل بهذه الظواهر الفلكية، فقد أورد الإمام أبو حامد الغزالي المتوفى سنة 505 هجرية في كتابه "إحياء علوم الدين"، أن أدلة معرفة القبلة ثلاثة أقسام[36]:
    1- أرضية: كالاستدلال بالجبال والقرى والأنهار.
    2- هوائية: كالاستدلال بالرياح شمالها وجنوبها وصباها ودبورها.
    3- وسماوية: وهى النجوم.
    وهو ما يوضح معرفة المسلمين باستخدام النجوم والرياح في الاستدلال على القبلة، وهى ظواهر مرتبطة بالكعبة المشرفة كما أوضحنا.
    ومما يؤكد ذلك أيضا ما ورد في كتاب "الفقه على المذاهب الأربعة" في مبحث "ما تعرف به القبلة"[37]، أن الشافعية قالوا يجوز أن يستدل على القبلة "بالقطب" مع وجود المحاريب إذا كان يعرفه يقينا ويعرف الاستدلال به في كل قطر، وقد ورد في نفس المرجع نفسه أن "القطب" هو نجم صغير في بنات نعش الصغرى، ويستدل به على القبلة في كل جهة بحسبها أيضا[38].
    وقد أوضحنا أن مجموعة بنات نعش النجمية من المجموعات النجمية المرتبطة في غروبها، أضلاع الكعبة المشرفة وهو الضلع المحدود بالركنين العراقي والشامي، وهو ما يثبت أن فقهاء المسلمين كانوا يعرفون هذه المعلومة بدليل أنهم قد أفتوا بجواز الاستدلال بنجم "القطب" المنتمى لهذه المجموعة النجمية.
    إن الأدلة السابقة توضح أهمية ارتباط بعض الظواهر الفلكية بالكعبة المشرفة، حيث تمكن المسلمون الأوائل بدون استعمال البوصلة المغناطيسية وقبل تحديد اتجاهات القبلة بدقة من بلاد المسلمين، من الاعتماد على هذه الظواهر الفلكية من أجل تحديد اتجاه القبلة في الأمصار والبلاد المفتوحة ولو بطريقة تقريبية، وهو ما يعطى دليلا ماديا على أن اختيار وضع وتوجيه الكعبة المشرفة لم يكن عشوائيا، ولكن هذا الوضع من أجل أن ترتبط بهذه الظواهر الفلكية مما سهل على المسلمين الأوائل تحديد اتجاه القبلة بطريقة تقريبية، وتحقيق قول الله سبحانه وتعالى: "وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره".
    2- إلى أي الجهات في العالم تشير أركان الكعبة المشرفة؟:
    قام مقدم هذا البحث بعمل دراسة لمعرفة إلى أي الجهات من اليابسة المعمورة تشير أركان الكعبة المشرفة الأصلية)، وكانت نتائج الدراسة كما يلي، انظر شكل (9):
    1- الركن المعروف باسم الركن العراقي يشير بالفعل إلى غرب العراق، وآخر جهات اليابسة التى يشير إليها هذا الركن هي المنطقة المعروفة باسم "سهل أوروبا الشرقي"، وهى منطقة تقع على الحدود مابين قارتي آسيا وأوروبا، وهذا يعنى أن الركن المسمى بالركن العراقي يشير إلى قارة أوروبا.
    2- الركن المعروف باسم الركن الشامي، لا يشير من قريب أو بعيد إلى بلاد الشام ولكن يشير إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يعنى أن هذا الركن يشير إلى أمريكا.
    3- الركن المعروف باسم الركن اليماني، لا يشير من قريب أو بعيد إلى بلاد اليمن ولكن يشير إلى الساحل الشرقي من أفريقيا وتحديدا إلى الساحل الشرقي لدولة "موزمبيق"، في موقع استراتيجى يتوسط قارتى استراليا وأمريكا الجنوبية، وهو ما يعنى أن هذا الركن يشير إلى قارة أفريقيا.
    4- الركن الموجود به الحجر الأسود يشير إلى جزر ايريان الغربية (التابعة لقارة آسيا)، وهى تقع مابين قارتي أستراليا وآسيا، أي أن هذا الركن يشير إلى قارة آسيا.
    إن النتائج السابقة توضح أن أركان الكعبة تشير إلى مواقع استراتيجية من اليابسة المعمورة، وأن كل موقع من هذه المواقع يقع بين قارتين من القارات الست المعمورة، وأن التسميات الواقعية للكعبة المشرفة هي: الركن الأوروبي، والركن الأمريكي، والركن الأفريقي، والركن الآسيوى، شكل (10)، وهو ما يوضح عالمية الكعبة المشرفة وأنها قد وضعت لكل الناس بالفعل في مركز اليابسة، مصداقا لقوله تعالى:" إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وهدى للعالمين"[39].



    شكل (9): أركان الكعبة المشرفة تشير إلى مواقع إستراتيجية من أطراف اليابسة المعمورة، وهو ما يوضح عالمية الكعبة المشرفة وأنها وضعت لكل الناس (من عمل الباحث)


    شكل (10): المسميات الحقيقية لأركان الكعبة المشرفة (من عمل الباحث).

    * نتائج البحث:
    توصل البحث للنتائج التالية:
    1- يعتبر موقع الكعبة المشرفة بمكة المكرمة موقعا فريدا من نوعه، حيث أثبتت الدراسات العلمية الحديثة توسط مكة المكرمة لليابسة بالنسبة لكل من العالمين القديم والجديد.
    2- يشير عكس اتجاه الظلال إلى موقع مكة المكرمة مرتين كل عام عندما تتعامد الشمس عليها (يومى 29 مايو و16 يولية)، فيمكن للمسلمين تحديد اتجاه القبلة أو تصحيحها بكل دقة فى كل بقاع الأرض، وتعتبر هذه الطريقة هي أدق طريقة معروفة الآن لتحديد اتجاه مكة المكرمة (القبلة).
    3- الشكل الهندسي لمسقط الكعبة المشرفة هو الشكل المنحرف أو المختلف الأضلاع، وهو من الأشكال الهندسية نادرة الاستعمال في المبانى، وهذا يعنى أن سبب تسمية الكعبة بهذا الاسم ربما يرجع لبروزها لا لكونها مكعبة الشكل كما يرد فى العديد من الكتب والمراجع.
    4- أثبت التحليل الهندسي لمقاسات الكعبة الأصلية أنها وضعت طبقا لنسب هندسية دقيقة ومحددة، من أهمها ما هو معروف باسم "النسبة الذهبية".
    5- يشير ركن الكعبة الحالي المعروف بالركن العراقي إلى اتجاه الشمال الجغرافي مع انحراف يقدر بحوالي 7 درجات إلى الشرق، أما الركن العراقي الأصلي فيشير تماما إلى اتجاه الشمال الجغرافي الحقيقي.
    6- أدى توجيه المسقط الأفقي للكعبة المشرفة بهذا الوضع إلى ارتباطها بظواهر فلكية معينة، كشروق الشمس أو غروبها من أمام حوائط معينة للكعبة، أو شروق بعض النجوم اللامعة من أمام حوائط أخرى، وهو ما مكّن المسلمين الأوائل من تحديد اتجاه القبلة ولو بطرق تقريبية، نتيجة استعانتهم بهذه الظواهر الفلكية، وهو ما أثبتته الأبحاث الحديثة.
    7- تشير أركان الكعبة المشرفة إلى مواقع إستراتيجية من المعمورة، وتحديدا إلى قارات أوروبا وأمريكا وأفريقيا وآسيا، وهو ما يعطى بعدا عالميا للكعبة المشرفة، وعلى أساس ذلك فإن المسميات الحقيقية لأركان الكعبة المشرفة تكون كما يلي:
    * الركن الأوروبي (حاليا العراقي).
    * الركن الأمريكي (حاليا الشامي).
    * الركن الأفريقي (حاليا اليماني).
    * الركن الآسيوي (الموجود به الحجر الأسود).
    * تم إلقاء ونشر هذا البحث في مؤتمر "انتربيلد" الرابع عشر الذي أقيم في القاهرة في يونيو 2007م.

    انتهى الحمد لله
يعمل...
X