الحمد لله الذي أحيانا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحمد لله الذي أحيانا

    رُويَ في صحيح البخاري عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما ، و عن أبي ذرّ رضي الله عنه قالا : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أوى إلى فراشه قال : (( باسمك اللهم أحيا و أموت )) ؛وإذا استيقظ قال:(( الحمدلله الذي أحيانا بعدما أماتنا و إليه النّشور )).
    الحمد لله الذي أحيانا : إنها أولُ كلمةٍ يهتفُ بها قلبُ المؤمن من يومه .
    فحينما يلفُّ المؤمنَ سوادُ اللّيل فيخلدُ إلى الفراش ليستريح من تعب التّردّد في حاجات يومه الطّويل ، يظلُّ قلبُهُ منزلاً للأنوار الهابطة إليه من المحلِّ الرّفيع ، و يظلُّ مستعداً لأن يأخذ من ومضات النور الهابطة ما يأخذ به في مسالك النّورانيّة الرّفيعة .
    و حينما يسدلُ اللّيلُ ستورَه على الوجود ، تفرح قلوبُ الذين حادّوا اللهَ و رسوله و المؤمنين بأنّ الورودَ الثّائرةَ قد خلدتْ إلى أكمامها بعد نفح الشّذا و الطّيب .
    و تطمئنُّ قلوبهم إلى أنّ رجالَ الأرض قد ناموا نومتهم الهادئة ، فيقومون في هدأة اللّيل ليشعلوا نيرانَ حروبهم و أحقادهم في سكون العالم ....... هؤلاء أعداؤنا يا سادة !!!!!
    و لكن إذا ما انقضى من اللّيلِ ثلثُه أو أكثرُ من ذلك بقليل قام المؤمن الحقُّ يمزّقُ أستارَ اللّيلِ بوثبةٍ من روحهِ عليّةٍ ، و يضيء أكنافَ اللّيل بأورادِ اليقين ، مكتنفاً قلبَهُ الثائرَ بين جنبيه ، يمخرُ عبابَ الصّمت بقوله : (( الحمد لله الذي أحيانا )) .
    إنها الكلمةُ الأولى من يومٍ جديدٍ ..... و جميل .
    إنها جذوةُ الإيمان الأولى التي تنبعث في سجاف اللّيل ليحتمل منها المؤمن قبساً مشرقاً يصوغ منه منطلقَه المؤمنَ القويّ .
    إنها الكلمة الأولى التي تقول للصّمت : ( أحلى من الصّمتِ .... قولُ الذين يدعون إلى الله و يعملون الصّالحات ) .
    إنها الحركةُ الأولى التي تقول للسّكون : ( أحلى من السّكونِ ... الانطلاقةُ إلى الله ) .
    إنها الوثبةُ الأولى التي تقولُ للهدوء : ( أحلى من الهدوء ...... الثّورةُ على مضامين الجاهليّة ) .
    إنّ لهذه الكلمة شعاعاً نورانيّاً يذكي قلبَ المؤمن بنور التّوحيد ، و يقدح فيه زنادَ التّوجّه السّديد و السّلوك الرّشيد .
    إنها الهروبُ من الدَّعةِ و الضّعف ثمّ إثباتُ القدم في أرض الإيمان .
    إنها الإعلانُ للدّنيا بأسرها بأنهُ إذا نامتْ عينا مؤمنٍ فإنَّ قلبه لا ينام .
    إنها الفرارُ إلى الله بقلبٍ راغبٍ يحدوهُ الشّوقُ إلى حضرةِ أنسه ، واللّهفةُ للوصول إليه سبحانه ، ثمّ النّزولُ في محاريب قدسِه .
    (( ففرّوا إلى اللهِ إنّي لكم منه نذيرٌ مبين ))
    إنّ لهذه الكلمةِ سراً يجعلُ من البدءِ شيئاً آخر يصبغ سيرة المؤمن من يومه الجديد بلون الإيمان و عطراً يعبق في وقت المسلم من شذاه ما يعطّرهُ و يطيّبه .
    مازال إبليسُ و جنودُه في كلّ عصرٍ يزيّنون لنا الشّهوات و يبرزون الملذّاتِ أمامَ أعيننا في أجمل حللها .
    فإذا ما قال المؤذّنُ ( الصّلاةُ خيرٌ من النّوم ) ، نفث إبليسُ في رَوع المؤمن أنّ النّومَ خيرٌ من ركعاتٍ قد تطول ، وإذا ما قال المؤذّنُ : ( حيَّ على الصّلاة ) ، وسوسَ إبليسُ للنّفس المؤمنة بأنّ الرّاحةَ خيرٌ من القيام في محاريب الإيمان و الذّكر الحكيم .
    و ما زال حلفاءُ الشّيطانِ في كلّ عصرٍ يعلّمونَ الشّبابَ المسلم بأنّ يوم المسلم إنما يبدأ من بعد طلوع الشّمس ، و بهذا انخدع الكثيرُ من المسلمين ، فإذا قاموا من صبحهم إلى أعمالهم قاموا كسالى . و ما علموا أنّ يومَ المسلم إنّما يبدأ من صيحةِ المآذن : ( الله أكبر ) .
    ألا و إنّ المؤمنَ الذي لا يعيش لحظاتِ الفجر الجديد هو عدوٌّ للوقت ، و لن يعطيَه الوقتُ ما يريد ، فلا بركةَ بعد ذلك في عمره و لا انفساحَ في أيّامه و وقته .
    و إنّ المؤمن الذي لا يستيقظ على صوت دقّات الصّبح على باب كلّ يوم ، فلن يستشعر في قلبه بعد ذلك حلاوةَ المشي في مناكب الأرضِ و الأكل من رزقها .
    وإنّ المؤمن الذي لا يعيش تلك اللّحظات الجميلة الّتي تشرقُ فيها شمسُ الطبيعة فتملأ بشعاعات النور مسالكَ الحياة ، لن تشرقَ شمسُ الحقيقة في قلبه من يومه ، فقلبُه بعد ذلك قعرُ بئرٍ مظلمة .
    فإذا ما هجر المؤمنُ فراشَه و أوى إلى محرابِ التّوحيد ثم تلا فيه من آيات الكتاب البيّنات أحسَّ بالنّشوة تسري في أوصاله و تعمرُ كيانَه .
    ألا إنّه ندى الإيمان المتساقط من المحلِّ الرّفيع الأعلى على القلب الفقير ، و النّورُ النّازلُ من قبّةِ الكأسِ الأوفى إلى القلب الطّهور ، و لن يطهرَ قلبٌ و يصفو إلا بذينكَ الوافدين .
    فإذا ما قام المؤمنُ فدخلَ مسجدَ التّوحيد و المناجاة وصفَّ قدميهِ في محراب العبوديّة ، تحسّستْ منه الجوارحُ و الأعضاءُ بردَ اليقين ، ثم استباحتْ خلاياه _بعد ذلك _ وارداتُ الهدى ، حينها تهتفُ كلُّ حجيرةٍ فيه : ( لا إله إلا الله ) و كلُّ خليّةٍ فيه ( محمدٌ رسولُ الله ) ، ثم تستقرُّ خلجاتُ نفسه على صدى ( ألا بذكرِ الله تطمئنُّ القلوب ).
    الحمد لله الذي أحيانا : لنسعى في ركابِ الحياةِ حاملينَ لواءَ التّوحيد .
    الحمد لله الذي أحيانا : لنعطّرَ مسالكَ الوجودِ بعَرفٍ من شذا الهدى و الإيمان .
    الحمد لله الذي أحيانا : ليكونَ كلُّ واحدٍ منّا حراءً جديداً تنطلقُ منه صيحاتُ الهدى فتعمر الأرضَ بالهتافِ الخالد : لا إله إلا الله محمدٌ رسولُ الله
    الحمد لله الذي أحيانا : حتى إذا جاءنا الموتُ بعد ذلك كان حبيباً جاء على شوق .
    الحمد لله الذي أحيانا : ليكون كلُّ واحدٍ منّا هجرةً إلى الله و رسوله ، و غارَ ثورٍ جديداً يسوقُ الخيرَ إلى العالمينَ سوقاً ، و يقودُ الحيارى في ركاب النّور، و يهدي التّائهينَ إلى منازلِ الرّحمن ، حاملاً في قلبه آيَ الكتابِ و في يديه ورودَ الإسلام .
    حينها ستهتفُ له كلُّ ذرّةٍ في الأرض و حبّةٍ في السّماء : ( طلعَ البدرُ علينا ) .

    كتبها الغنيُّ بمولاه : أنس إبراهيم الدّغيم
    جرجناز / معرّة النعمان / سوريا
    أخيكم العبدلله
يعمل...
X