منهج القرآن في إثبات وُجُودِ الخالقِ ووحدانيَّته

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • منهج القرآن في إثبات وُجُودِ الخالقِ ووحدانيَّته

    منهجُ القرآن في إثبات وجود الخالق ووحدانيته هو المنهج الذي يتمشّى مع الفطر المستقيمة ، والعقول السليمة ، وذلك بإقامة البراهين الصحيحة ، التي تقتنع بها العقول ، وتسلم بها الخصوم ، ومن ذلك :

    1 - من المعلوم بالضرورة أن الحادث لا بد له من محدث :
    هذه قضية ضرورية معلومة بالفطرة ؛ حتى للصبيان ؛ فإنَّ الصَّبيَّ لو ضربَهُ ضاربٌ ، وهو غافلٌ لا يُبصره ، لقال : من ضربني ؟ فلو قيل له : لم يضربكَ أحدٌ ؛ لم يقبل عقلُهُ أن تكونَ الضَّربةُ حدثت من غير محدث ؛ فإذا قيل : فلان ضربَكَ ، بكى حتى يُضرَبَ ضاربُهُ ؛ ولهذا قال تعالى : أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ .
    وهذا تقسيم حاصر ، ذكره الله بصيغة استفهام إنكاري ؛ ليبيّن أنَّ هذه المقدمات معلومة بالضرورة ، لا يمكن جحدها ، يقول : أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أي : من غير خالق خلقهم ، أم هم خَلَقوا أنفسهم ؟ وكلا الأمرين باطلٌ ؛ فتعين أن لهم خالقًا خلقهم ، وهو الله سبحانه ، ليسَ هُناك خالق غيره ، قال تعالى : هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ .
    أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ .
    أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ، إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ .
    وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ .
    أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ .
    ومع هذا التحدي المتكرِّر لم يدَّع أحدٌ أنه خلقَ شيئًا ، ولا مجرد دعوى - فضلًا عن إثبات ذلك - فتعيَّنَ أن الله سُبحانه هو الخالقُ وحدَهُ لا شريك له .
    2 - انتظام أمر العالم كله وإحكامه :
    أدلُّ دليل على أنَّ مدبره إلهٌ واحد ، وربٌّ واحدٌ لا شريك له ولا مُنازع .
    قال تعالى : مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ .
    فالإله الحق لا بد أن يكون خالقًا فاعلًا ، فلو كان معه سبحانه إله آخر ، يُشاركه في مُلكه - تعالى الله عن ذلك - لكان له خلق وفعل ، وحينئذٍ فلا يرضى شِركَةَ الإله الآخر معه ؛ بل إن قدر على قهر شريكه وتفرَّد بالملك والإلهية دونَهُ فعل . وإن لم يقدر على ذلك انفرد بنصيبه في الملك والخلق ؛ كما ينفرد ملوكُ الدنيا بعضهم عن بعض بملكه ، فيحصل الانقسام . فلا بُدَّ من أحد ثلاثة أمور :
    أ - إما أن يقهر أحدهما الآخر وينفردَ بالملك دونه .
    ب - وإما أن ينفردَ كُلُّ واحد منهما عن الآخر بملكه وخلقه ؛ فيحصل الانقسام .
    ج - وإما أن يكونا تحت مَلِكٍ واحدٍ يتصرّفُ فيهما كيف يشاء ؛ فيكون هو الإله الحق وهم عَبيدُه .
    وهذا هو الواقعُ ، فإنه لم يحصل في العالم انقسام ولا خلل ؛ مما يَدُلُّ على أنَّ مدبره واحدٌ ، لا منازع له ، وأن مالكه واحد لا شريك له .
    3 - تسخيرُ المخلوقاتِ لأداء وظائفها ، والقيام بخصائصها :
    فليسَ هُناك مخلوق يستعصي ويمتنع عن أداء مهمته في هذا الكون ، وهذا ما استدل به موسى - عليه السلام - حين سأله فرعون : قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى أجاب موسى بجواب شافٍ كافٍ فقال : رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى أي : ربنا الذي خلق جميع المخلوقات ، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به ؛ من كبر الجسم وصغره وتوسطه وجميع صفاته ، ثم هدى كل مخلوق إلى ما خلقه له ، وهذه الهدايةُ هي هداية الدلالة والإلهام ، وهي الهدايةُ الكاملةُ المشاهدَةُ في جميع المخلوقات ، فكلُّ مخلوق تجده يسعى لما خلق له من المنافع ، وفي دفع المضَارِّ عنه ، حتى إنَّ الله أعطى الحيوان البهيم من الإدراك ما يتمكن به من فعل ما ينفعه ، ودفع ما يضره ، وما به يؤدي مهمته في الحياة ، وهذا كقوله تعالى : الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ .
    فالذي خلق جميعَ المخلوقات ، وأعطاها خلقَها الحسنَ - الذي لا تقترح العقول فوق حسنه - وهداها لمصالحها ، هو الرب على الحقيقة ، فإنكارُهُ إنكارٌ لأعظم الأشياء وجودًا ، وهو مكابرة ومُجاهرة بالكذب ، فالله أعطَى الخلق كل شيء يحتاجون إليه في الدنيا ، ثم هداهم إلى طريق الانتفاع به ، ولا شك أنه أعطى كل صنف شكلَه وصورتَهُ المناسبة له ، وأعطى كل ذكر وأنثى الشّكلَ المناسبَ له من جنسه ، في المناكحة والألفة والاجتماع ، وأعطى كل عضو شكله الملائم للمنفعة المنوطة به ، وفي هذا براهين قاطعة على أنه جل وعلا رَبُّ كُلِّ شيء ، وهو المستحقُّ للعبادةِ دون سواه ...
    وفي كُلِّ شيءٍ لَهُ آيةٌ تَـدلُّ علـى أنّه الواحدُ

    ومما لا شك فيه أنَّ المقصودَ من إثبات ربوبيته - سبحانه - لخلقه وانفراده لذلك : هو الاستدلال به على وجوب عبادته وحده لا شريك له ؛ الذي هو توحيد الألوهية ، فلو أن الإنسان أقر بتوحيد الربوبية ولم يقر بتوحيد الألوهية أو لم يَقُمْ به على الوجه الصحيح لم يكن مسلمًا ، ولا موحدًا ؛ بل يكون كافرًا جاحدًا ، وهذا ما سنتحدَّث عنه في الفصل التالي - إن شاء الله تعالى
يعمل...
X