الحنيفية السمحاء, بلا تشدد ولا جفاء

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحنيفية السمحاء, بلا تشدد ولا جفاء

    الحنيفية السمحاء, بلا تشدد ولا جفاء


    الشيخ أحمد المزروعي حفظه الله




    الإسلام دين السماحة والرحمة والسهولة واليسر في جميع مجالاته:العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات.وتأمل قول الرحيم الرحمن حيث يقول { يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } تجد مصداق ذلك بيناً.

    فقاعدة اليسر والسماحة في دين الإسلام من القواعد المهمة؛ لذلك قال النبي الذي بعث بالحنيفية السمحة صلى الله عليه وسلم :”إن الدين يسر, ولن يَشادَّ الدينَ أحد إلا غلبه، فسَدِّدوا وقاربوا "[رواه البخاري(39)].

    فـــما أعظم هذا الكلمة ، وأجمعها للخير فقد احتوت على وصايا نافعة ، وأصول جامعة ، فقد أسس صلى الله عليه وسلم في أولها هذا الأصل الكبير ، فقال :(إن الدين يسر) أي ميسر مسهل في عقائده وأخلاقه وأعماله ، وفي أفعاله وتروكه ، فإن عقائده التي ترجع إلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره : وهي العقائد الصحيحة التي تطمئن لها القلوب ، وتوصل مقتديها إلى أجلّ غاية وأفضل مطلوب, وهي العقائد الصحيحة البسيطة التي تتقبلها العقول السليمة والفطر المستقيمة ، وأخلاقه وأعماله أكمل الأخلاق ، وأصلح الأعمال ، بها صلاح الدين والدنيا والآخرة ، وبفواتها يفوت الصلاح كله ، وهي كلها ميسرة مسهلة ، كل مكلّف يرى نفسه قادراً عليها لا تشق عليه ، ولا تكلفه, فالصلاة خمس في اليوم, والزكاة جزء قليل كل حول, والصوم في السنة مرة والحج في العمر مرة.([1])

    ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم أن مقابل اليسر في الدين التشدد الذي يفضى إلى الانقطاع فقال:” ولن يَشادَّ الدينَ أحد إلا غلبه”

    بل قد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التشدد وقال فيه ما قال وزاد وأعاد حتى قال صلى الله عليه وسلم:”إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين"[رواه البخاري(220)].

    بل وأوصى معاذاً وأبا موسى لما بعثهما إلى اليمن فقال صلى الله عليه وسلم :”يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا".[رواه البخاري (3038) ومسلم(1733)].

    بل ولم يكتف بذلك حتى قال صلى الله عليه وسلم في مجمع الحج للصحابة:”يا أيها الناس إياكم والغلو في الدين فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين".[رواه ابن ماجه (3028)وصححه الألباني].

    ما أجملها من كلمات غابت عن بعض المنتسبين للدين الإسلامي حتى كانوا على نوعين:

    الأول: متشدد في العبادة , بحيث يزيد فيها ما لم يشرعه الله ورسوله.

    الثاني: مشدد على نفسه في نفس العبادة المشروعة حتى كلف نفسه ما لا تطيق, فكلّ وانقطع.

    ودين الإسلام دين تمسك وتوسط ولذا بين صلى الله عليه وسلم الطريقة المثلى فقال بعد أن حذر من التشدد:” فسَدِّدوا وقاربوا "فالسداد لزوم التوسط في الأعمال, والمقاربة الاقتراب من فعل الأكمل إن لم تسطيعوه.

    فلا تشدد في دين الإسلام بل مبناه على الحنيفية السمحة فهو حنيف أي: مائل عن الباطل مستقيم على الحق متمسك به , وسمح: أي سهل مبناه على السهولة، وقد قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ}.

    وكما قال العلامة حافظ الحكمي:

    فَلا تُفَرِّطْ ولا تُفْرِطْ وكُنْ وَسَطًا …. وَمِثْلَ مَا أمَرَ الرَّحْمَنُ فاسْتَقِمِ

    ولا ننسى تلك القصة التي حفظها المسلمون منذ نعومة أظفارهم وهي أنه جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالّوها.

    فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

    قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبداً.

    وقال: آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر.

    وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً.

    فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال:”أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني".[رواه البخاري(5063)].

    ولا يعنى ذم التشدد التساهل في دين الله بالوقوع في المحرمات ولا يعنى فعل الواجبات والمستحبات من التشدد في الدين.

    قال المناوي:” وليس المراد منه-أي ذم التشدد- المنع من طلب الأكمل في العبادة فإنه من الأمور المحمودة, بل المنع من الإفراط "المؤدّي إلى الملال

    فالتشدد في دين الله مرفوض مذموم فاعله ,كما أن التمسك بدين الله مطلوب محمود فاعله , فلا يُخلط بين التشدد والتمسك حتى لا يُختلط بين المتنطع والمتبع وشتان بينهما.

    شَّتان بين الحالتَيْنِ فَإِنْ تُرِدْ … جَمْعًا فما الضِّدَّانِ يَجْتَمعَانِ.

    فعلى المسلم أن يسلك الوسطية الإسلامية مجانباً طريقة المتشددين تاركاً طريقة المتساهلين, لا من المفرطين ولا من الجافين, رفيقاً سمحاً معتدلاً على وفق الشريعة, فإن الرفق ما دخل في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه.

    ([1]) ينظر:بهجة قلوب الأبرار للسعدي(101).
يعمل...
X